أحلامٌ تحتَ التّرابِ سنُنبِتُها مقال✍️بقلم مريم فواز

أحلامٌ تحتَ التّرابِ سنُنبِتُها مقال✍️بقلم مريم فواز

أذكرُ عندما كنّا صغارًا كنّا نُسألُ في المدرسةِ سؤالًا يتكرّرُ دائمًا، “ماذا ستصبحون يا أولادُ عندما تكبرون؟”، كنّا نتنافسُ من سيجيبُ أولًا، فمِنّا من كانَ يريدُ أن يصبحَ طبيبًا، والآخرَ حلمهُ أن يصبحَ محاميًّا، وذاك كان يحلمُ بأن يكونَ مهندسًا وتلكَ كانتْ تحلمُ بأن تصبحَ معلِّمةً، وعندَ الانتهاءِ كان المعلّمُ يبتسمُ ابتسامةً لا ندركُ معناها ويهزُ رأسهُ قائلاً:”انشالله كلكم بتحققوا كل أمانيكم”.

كبرنا… تخصّصَ كلٌّ منّا في الاختصاصِ الّذي كان يحلمُبهِ وعندما تخرّجنا،ها نحنُ نبتسمُ تلك الابتسامةُ الّتي رسمها المعلّمُ يومَ كنّا نتحدّثُ بلهفةٍ، ونهزُّ رأسنا للجيلِ القادمِ، و ها هي شهاداتُنا معلّقةٌ على جدرانِ الغرفةِ التي سهُرَتْ معنا على دروسنا وكدِّنا وساهمتْ في تخرُّجِنا،ها هي يائسةٌ. فكيفَ للمحامي أن يكونَ محاميًّا في بلدٍ حُرِّمت فيه العدالةُ وسادَ فيهِ الظّلمُ والفسادُ وأكلَ الغنيُّ رغيفَ الفقيرِ والتهمَ الحكّامُ لحمَ المواطنينَ، أو كيف للمهندسِ أن يبني على أرضٍ تنزفُ أو ينشئَ مبانٍ في وطنٍ شهدَ أكبرَ ثانِ انفجارٍ في العالمِ ولا يزالُ الفاعلُ مجهولَ الهويَّةِ يأكلُ على صفرتهِ وينامُ على وسادةٍ من حريرٍ بدمٍ باردٍ وضميرٍ ميّتٍ، وكيف للمعلّمِ أن يربّي أجيالًا مجهولةَ المستقبلِ ويعطي دروسًا في الحقِّ والإنسانيَّةِ في

بلدٍ لا يملكُ من الحقِّ والإنسانيَّةِ ذرَّةً واحدةً. وكيفَ للطّبيبِ أن يداوي جراحَ بيروتَ أو يصفَ دواءًا للبنانَ، كيف للطّبيبِ أن يداوي آلامَ النّاسِ وهو عليلُ الحقوقِ مثلهُم؟

أصبحَ العيشُ شبهُ مستحيلٍ في بلدٍ انتُهِكَتْ فيه الحقوقُ وماتَتْ فيه الضمائرُ، عرِفْنا بأنّ ابتسامةَ المعلّمِ كانت ابتسامةَ شفقةٍ وهزّةُ رأسهِ وكأنّهُ يقولُ ليتكُم تدْركون شراسةَ الزعماءِ في الخارجِ. أحلامُنا أصبحتْ تحتَ التّرابِ لكنّنا سنكونُ دائمًا يدًا واحدةً شعارُها الأملُ وسننبِتُ أحلامَنا من جديدٍ في أرضِنا، بين أحشاءِ الوطنِ، وسنثبِتُ بأنّنا صامدونَ ولنْ نكونَ فريسةً للوحوشِ بعدَ اليومِ، تذكّروا بأنّنا جيلُ المستقبلِ والوطنُ ينتظرُنا لنخلِّصَهُ ولن نردّهُ خائبًا. أحلامنا تحتَ التّرابِ سننبتُها من جديدٍ.