أزمة البنزين: ” تراجيديا طوابير الذُّلّ على مسرحِ الوطن”.- مقال بقلم ندى شريف

أزمة البنزين: ” تراجيديا طوابير الذُّلّ على مسرحِ الوطن”.- مقال بقلم ندى شريف


ما تفرّقُهُ السّياسةُ تجمعُه الأزمات، فليسَ هناكَ ما يجمعُ اللبنانيّينَ أكثر من محطاتِ الوقودِ في بلدهم.
بات الانتظارُ في الطوابير مَعلماً ثابتا في حياة اللّبنانيين ويوميّاتهم. فلم يعد مشهدُ طوابيرِ السّياراتِ المصطفِّة لمسافةِ مئاتِ الأمتار أمامَ المحطّات يثيرُ الاستغرابَ بين اللّبنانيين على الرّغمِ من إحساسِهم بالذُّلّ والغضب إزاءَ هذه الأزمة.
فقد أصبحتْ محطّات الوقودِ مسرحاً مُتاحاً لكلّ من يريد التّعبير. فتسمع -وأنت تنتظرُ دورَك- صرخاتِ القهر والشَعارات الثوريّة الّتي تصل حدّ الخطابات فحواها رفض الواقع. إذ لا يكاد يمرُّ يومٌ من دون حدوث مشكلات بين المواطنين والعاملين على المحطات. فالبعض يعبّر بالشّتائم والصُّراخ والبعض يجدُ ضالَّتهُ بالتّفاوضِ مع صاحبِ المحطّة من اجل تزويدِه بعشرين ليتراً إضافيّاً، والبعضُ الآخر يستعرضُ سلاحه إمّا للتّخويف وإما ليطلق النّارَ فيصيب ويقتل. الأمر الّذي استوجب الاستعانة بعناصرَ من قوى الأمن في عددٍ من المحطّات بهدف حفظ الأمن.
وفي مشهدٍ آخر، ولأنّ اللّبنانيّ اعتاد على تجميلِ معاناته، فقد ترى من يعبر فكاهيّاً ويُطلقُ العنانَ لِحسِّهه الكوميدي، فالمسرح موجود والجمهور كثيف، فقد انتشرت على مواقع التّواصلِ الاجتماعيّ مقاطعَ كوميدية تخفّفُ وطأةَ المعاناة. منها مقطع لفرقة زفة فولوكلورية تستقبل الطوابير بالطّبلِ والزّمر، ومنها مقطعٌ لمدرّسٍ استفاد من ساعاتِ الانتظار في الطّابور لتصحيحِ المسابقات.كما وعمَدَ بعضُ الباعةِ المتجوّلين إلى التّمركزِ وسط طوابير البنزين لبيع الماء والقهوة والمرطّبات. وأعلنت بعض المطاعم عن تأمين خدمة التّوصيل للمنتظرين على محطّات الوقود. ومن هذه المشاهد لا يمكننا أن ننسى المصوّر الّذي وجد سبيلَهُ بنشر مثل هذه المقاطع على مواقع التّواصل الاجتماعي ليحظى بنسبة مشاهدة عالية ويحصد اكبر عدد من اللايكات الّتي ترضي مشاعره.
أما المشهد المضحك المبكي هو أن بعض المواطنين حاولوا الاستفادة من أزمة البنزين عبر إيجاد فرص عمل جديدة من نوعها، إذ يقوم عدد من الشّبان بالانتظار أمام محطاتِ الوقود بدلاً من صاحب السيارة مقابل بدل ماديّ محدّد، كما يقومُ آخرون بملء درّاجاتهم النّاريّة بالبنزين والّتي تتسع لكمية صغيرة جداً ومن ثمّ يبيعون البنزين لمن يرغب بأضعاف الثمن.
مسرحية هزليّة تختصرُ المعاناةَ الّتي يعيشها المواطن اللّبناني يوميّاً . فقد تحوّلت معظمُ شوارع لبنان إلى مواقفَ انتظارٍ بهدفِ الحصولِ على صفيحة بنزين واحدة في حال كان المواطن محظوظا ووصل دوره قبل نفاد الكمية.
ومن طوابير البنزين والّتي بات اللبنانيّون يطلقون عليها “طوابيرالذّلّ” نطلق ثلاث لاءات لعلها تلقى آذان صاغية: لا للإحتكار،  لا للتّهريب، ولا لرفع الدعم عن المحروقات.