أنا لَسْتُ مِثالِيَّة، أنا وُلِدْتُ عَلَى هذِهِ الدُّنيَا لا أعلَمْ كَيفَ أمْشِي وَأَتَحَدَثُ ..
تَعَثَرْتُ كَثِيرًا وَتَعَلَمْتُ المَشِي .. تَلَعثَمْتُ كَثيرًا وَتَعَلَمْتُ الكَلامَ .. أنا أُخْطِئُ فِي إخْتِياراتِي لَطَالَمَا كُنْتُ أَلعَبُ وَألهُو وَأتْرُكُ وَاجِبَاتِي المَدْرَسِيَّة، وَلَكِن بَعْدَ أَوَلِ تَقْييمٍ أنْزَعِجُ مِنْ نَفسِي فَأَتْرِكَ اللَّعِبَ وَأنتَبِهُ لِمُستَقبَلِي .. لَطَالَما كُنْتُ أُعانِدُ كَلامَ أُمّي وَألعَبُ خَارِجًا دُونَ إرتِداءِ المِعطَفِ فَأَعُودُ مُتْعَبَةً مُنْهَكَةً يَتَمَلَّكَنِي المَرَضُ وَالزُّكَام، وَبعدَ تَناولِ الدَوَاءِ وَإكتِمَالِ الشِّفَاءِ أَتَعَلَمُ مِنْ خَطَئِي .. حَتَّى القَمَرُ الَّذِي يَبدُو مُدهِشًا وَجَمِيلاً فِي أعْيُنِنَا مِنْ بَعِيد، إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ إقتَرَبُوا مِنهُ وَوَصَلُوا إلَيهِ وَتَحَدَثُوا عَنْ كَمِ الهَائِلِ مِنَ الفَجوَاتِ وَالثَّغَراتِ.
أنا لَسْتُ مِثَالِيَة، فَأحْيَانًا أرْكُضُ نَحَوَ الخَطَأَ دُونَ استدراكٍ، وَإسْتَمتِعُ بِنُزولِي فِي الهَاوِيَةِ دُونَ إدرَاكٍ، هَذا لا يَعْنِي غَباءً وَلكِن كَمَا يَقُولُ آينِشتاين ((الشَّخْصُ الَّذِي لَمْ يُخْطِئ أَبَدًا هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي لَمْ يُحاوِلْ أبَدًا ))
أنَا لَا أَدْعَمُ القَرَارَاتِ الخَاطِئَةِ، وَلَكِنْ هَذا لا يَعْنِي أَنّ أُصْدِرَ حُكْمَ الإعْدَامِ بِمَنْ يُخْطِئ، فَفِي المُجتَمَعاتِ (غَلطَة الشَّاطِر بأَلفٍ) تَتَوجَّهُ الأَعْيُنُ نَحوَ ذَاكَ النَّاجِحِ الَّذي شَيَّدَ حَياتَهُ بِعِنايَةٍ لِلخُرُوجِ مِنْ بُؤرَةِ الفَشَلِ وَالعَجْزِ، فَإذا أَخْطَأَ مَرَّةً إنهَالَتْ عَلَيهِ التَّعلِيقَاتُ السَّلبِيَةُ تَمحِي كُلَ نَجاحٍ قَامَ بِهِ وَهُنَا .. سَيَكُونُ لَهُ ذِكرَى “فُلانٌ ذَاكَ العَبقَرِيُ” أَخْطَاءٌ يُخَلِّدُهَا التَّارِيخَ وَهُنَا يَجِبُ الإنْتِبَاهُ وَالتَركِيزُ عَلَى الأهدَافِ وَعَدَمِ الإلتِفَاتِ إلَى مَا يُقَالُ، أكْمِلْ رِحلَتَكَ دُونَ تَوَقُّفْ.
وَفِي قِصَّةٍ لآلبرت آيْنِشْتَايْن حِينَ مَا كَانَ يَقُومُ بالتَدرِيسِ، كَتَبَ عَلَى اللَّوْحِ جَدْوَلَ الضَّربِ لِلرَقَمِ “9” وَبَدأ بِ (9 × 1 يُسَاوِي 9) .. (9 × 2 = 18) إلَى أَنْ وَصَلَ إلَى (9 × 10 فَكَتَبَ 91) إنفَجَرَ الصَّفُ مِنَ الضَّحِكِ، بِالطَبعِ الإجَابَة 90، إنْتَظَرَ آيْنِشْتَايْن إِلَى أَنْ يَصْمُتَ الجَمِيعُ، ثُمَّ قَالَ: “عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّنِي قُمْتُ بِتَحْلِيلِ تِسْعِ مَسائلٍ بِشَكلٍ صَحِيْحٍ لَمْ يُهَنِئَنِي أَحَدٌ، وَلكِنْ عِندَمَا إِرْتَكَبْتُ خَطَأً وَاحِدًا بَدَأَ الجَمِيعُ يَضحَكُ وَهَذا يَعْنِي أَنَّهُ حَتَى لَوْ كَانَ الشَّخْصُ نَاجِحًا سَوفَ يُلاحِظُ المُجتَمَعُ أقَلَّ خَطَأٍ يَقَعُ فِيهِ لِذَلِكَ أُذَكِرُكُم اليَومَ أنَّ الأخطَاءَ جُزءٌ مِنَ الرّحلَةِ.
بَدَلاً مِنْ أنْ تَقُومَ بِالتَّأْنِيبِ وَالسُّخْرِيَةِ وَإِلقَاءِ اللَّوْمِ ،يُمْكِنُكَ الإِرْشَادُ وَتَنبِيهُ ذَاكَ الَّذِي أَخْطَأ أَمَامَكَ دُوْنَ ضَوْضَاءٍ أَو قَدِمَ مَعرُوفًا لَهُ وَلَنَا وَاتْرُكْ شَأَنَ غَيرِكَ وَاصْمْت، وَإِذَا كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَخْطَأَ إِلتَفِتَ إِلَى رَغَباتِكَ وأهدَافِكَ، أنْتَ قَائِدُ رِحْلَتِكَ وَمَقُودُ السَّفينَةِ بَينَ يَديْكَ، إخْتَرِ الوَجهَةَ الَّتِي تُنَاسِبُكَ وَتَغَاضَى عَنِ الأمْواجِ الهَائِجَة وَالعَراقِيلِ … وَتَذَّكَرْ أنَّكَ لَسْتَ مِثَالِي، وَهُوَ لَيسَ مِثَالِي وَأَنا أَيْضًا ..أنا لَسْتُ مِثَالِيَة…