نَعِيشُ فِي وَطَنٍ يَحمِلُ المنصِبَ عَلَى كَتِفَيهِ كَنَجمَةٍ تَلمَعُ فِي سَمَاءٍ لَا يُمكِنُ لأَحَدٍ الوُصُولُ اليَهَا . نَرَى اشخَاصاً فِي هذا الوَطَنِ لَرُبَّمَا كَانُوا لَا شَيئَ فِي المَاضِي. صَاحِبُ الْمَنصِبِ اليَومَ يَرَى نَفسَهُ فِي القِمَّةِ يَنسَى تَارِيخَهُ ،وَيَنسَى مَا كَانَ يُصَارِعُ فِي المَاضِي . نَعِيشُ فِي وَطَنٍ أَصبَحَ الِانسَانُ يُذِلُّ أخاهُ الِإنسَانَ . كَأَنَّ المَنصِبَ سَيَبقَى عَامِرًاً فِي حَيَاتِهِم إلى ابْدِ الآبِدِينَ .
يَا اصحَابَ المَنَاصِبِ انْ مَا وَصَلتُوا عَلَيهِمُ الْيَومَ كَانَ نَتِيجَةَ مَاضِي ذَلِيلٍ .. نَتِيجَةَ لَيَالٍ لَوّعَت اجسَادَكُم وَحَيَاتَكُم تَعِبتمْ كَي تُصِلُوا لَكِن مَا خَطبُ الذُّلِّ الَّذِي تُذيقونَهُ لِلنَّاسِ ؟
تَظُنُّونَ أَنَّ المَنصِبَ هُوَ اسمٌ فَقَط ، هُوَ كُرسِيٌّ كَسُلطَانٍ، هُوَ المَالُ وَالجَاهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُدعَى مَنصِباً انْهُ”النَّصبُ” المَنصِبُ الحَقِيقِيَّ هُوَ مَن يَكُونُ صاحِبُهُ قَادِرًاً عَلَى كَسبِ احتِرَامِ الآخَرِينَ مِنْ خِلَالِ مُهَارَاتِهِ وَأُسلُوبِهِ وَأَخلَاقِهِ وَإِبدَاعَاتِهِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا مِن أَجلِ المَصلَحَةِ الِاجتِمَاعِيَّةِ العَامَّةِ يُرَكِّزُ جَيِّدًا فِي مَا يُقَدِّمُهُ لِنَفسِهِ وَمُجتَمَعِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ التَّقصِيرِ أَو الظُّلمِ أَو الإستهتار.
إِنَّ مَا يُقَدِّمُهُ الإِنسَانُ مِن خَيرٍ وَصَلَاحٍ لِمُجتَمَعِهِ وَوَطَنِهِ فَهُوَ بَاقٍ وَمُخَلِّدٌ لَهُ مَدَى الحَيَاةِ، فَمِن المُؤسِفِ عِندَمَا تَرَى البعضَ بِمُجَرَّدِ تَقَلُّدِهِ لِمَنصِبٍ مُعَيَّنٍ أَو وَظِيفَةٍ مَرمُوقَةٍ يُمنَحُ إِيَّاهَا يُصبِحُ وَيُمسِي شَخصِيَّةً مُختَلِفَةً تماماً فينقلبُ على مَن حولِه، متكبراً متغطرساً، فيقطعُ تواصُلهُ مع مَن كانَ يعرِفُهم! ويُصبِح الوصولُ إليهِ مِن المُستحيلات! ومُقابلتُه لابُدّ أن تكونَ بمواعيدَ مُسبقةٍ! والدُّخولُ عليهِ لابُدّ أن يكونَ لدقائِقَ مَحدودةٍ ومعدودةٍ! تتخلّلُها مجموعةٌ مِن الاتّصالات!
فلا تَتكبّر على النّاسِ بِمُجرَّدِ أنّكَ حَصَلتَ على منصِبٍ فمَن جعلَك تصِلُ، هُم اشخاصٌ كانوا يدعمونَك مِن خلفكَ وكانوا يرفعونَ اسمكَ عالياً أينما ذهَبوا وأيضاً مَن كانوا خَلفكَ بحاقدينَ هُم مَن أوصلوكَ لأنّهُم دفعوكَ إلى الحماسِ للعملِ أكثرَ . تَعبتَ كَي تَصِلَ، نَعم لَكن ليسَ المُهِمُ الوِصال، بل المُهم كَيفَ نتصرّفُ حينَ نَصِل.