الإدمان: هروبٌ داخليٌّ أم صرخةٌ ضِدّ الصّمت؟

الإدمان: هروبٌ داخليٌّ أم صرخةٌ ضِدّ الصّمت؟

بقلم: ريان ابراهيم نجم
تدقيق: هادي محمود نصّار

في الوقتِ الذي تُروَّجُ فيهِ الصورُ الورديةُ عنِ المراهقةِ و”الجيلِ الرقميّ”، يختبئُ في زوايا كلِّ حيّ، خلفَ كلِّ بابٍ موارب، وفي نظراتِ الكثيرِ منَ الشبابِ والمراهقينَ، واقعٌ قاتمٌ صامت، لا يُرى بالعينِ المجرّدة، يُدعى “الإدمان”. إنّهُ واقعٌ يتكاثرُ كالعفنِ في بيئاتٍ تغيبُ عنها الرّقابةُ الاجتماعيّة، فهوَ ليسَ بتعاطي مخدراتٍ أو كحولٍ فحسب، إنّما هوَ حالةٌ نفسيةٌ معقدةٌ تكمُنُ داخلَ كلِّ فرد. فهل ندركُ حقّاً أنَّ الإدمانَ مشكلةٌ في بنيةِ الفردِ والمجتمع؟ وهل نملكُ الجرأةَ لنتعاملَ معهُ كأزمةٍ شاملة؟

حين تُذكرُ كلمةُ “إدمان”، يتبادرُ إلى الأذهان، المُخدّراتُ أو الكُحول، غيرَ أنّ الحقيقةَ أوسعُ وأعمق. فالإدمانُ يتّخذُ وجوهاً متعدّدة، قد تكون أشدَّ فتكاً من السّموم المادّية: كإدمانِ الأجهزةِ الذّكيّة، الألعابِ الإلكترونيّة، المُسكّنات، أو حتى التعلّقِ المَرَضيّ. وما يوحّدُ هذهِ الأشكالَ جميعاً هو محاولةُ تسكينِ ألمٍ داخليّ، أو سدُّ فراغٍ عاطفيٍّ موحِش.

يولدُ الإدمانُ بطريقةٍ خفية، تظهرُ كردِّ فعلٍ ناتجٍ عن معاناة: كالشعورِ بالوحدةِ، غيابُ التواصلِ الأسريِّ، ضغطٌ دراسيٌّ أو اجتماعيّ، تنمّرٌ أو عنفٌ لفظيٌّ كانَ أم جسديّ. كلُّ هذه العواملِ تخلقُ بيئةَ إدمانٍ خاصةً في غيابِ الدعمِ النفسيِّ والتربويِّ والاجتماعيّ.

أمّا في زمنِ التّكنولوجيا، “القنبلةُ الصامتة”، فقد أصبحَ الإدمانُ الرقميُّ الشكلَ الأخطرَ على الإطلاق. فقضاءُ ساعاتٍ طويلةٍ أمامَ الشاشاتِ ليسَ مجردَ ترفيه، بل قد يكونُ وسيلةً للهربِ من واقعٍ غيرِ مُرض، أو من ضغطٍ نفسيٍّ غيرِ واضح. والأسوأُ من ذلك، فإنَّ الإدمانَ الرقميَّ أصبحَ مقبولاً إجتماعيا، الأمرُ الذي يجعلهُ أكثرَ خطورة.

أخيراً، الإدمانُ ليسَ ضعفاً، بل دليلٌ على إنسانٍ خاضَ صراعاً داخليّاً بابتساماتٍ كاذبة. إذ إنّنا بحاجةٍ إلى تغييرٍ جذريٍّ لطريقةِ تفكيرِنا ولوجهةِ نظرِنا تجاهَ الأفراد. فهل نملكُ شجاعةَ الإحتواءِ بدلاً من الإقصاء؟