أَمَّا وقد إِنتهت وعودُ السُّلطةِ السِّياسيَّةِ الحاكمةِ بالحلولِ والإِصلاحاتِ ،سُرعانَ ما بدأَت الأَزماتُ المُخبأةُ تطفو على السَّطحِ وظهرت بوادر عدم الإِستقرارِ السِّياسيِّ الناتجةِ عن إِنعدامِ الثِّقة .قد يتبادرُ إلى ذهنِ البعضِ أنَّ السُّلطةَ السِّياسيَّة القابضةَ على رؤُوسِ العبادِ ومفاصلِ البلادِ قد تعمدَت تركَ الأُمورِ تتفلَّتُ لتغطيةِ بعضٍ من قراراتها التي جاهر أَحدُ وزرائِها وهو وزير الإِتصالاتِ بأن قرار رفعِ تَعرفةِ الإِتصالاتِ والإِنترنت قد تأخرَ نتيجةً للطَّلبِ الَّذي طلبَ منه بتأْخيرهِ لما بعد الإنتخاباتِ.لم يقتصِر الأَمر على رفعِ رسومِ تعرفةِ الإتِّصالاتِ بل تعدتهُ إلى رسمِ الكهرباءِ حتى قبلَ معالجةِ المشاكِل الكهربائيةِ ومشكلة عدمِ وجودِ الكهرباءِ أساسًا . وكانت قبل شركةِ مياهِ بيروت وجبلِ لبنانَ وكذلكَ شركاتُ المياهِ في المناطقِ والمحافظاتِ قد عدَّلت الرُّسوم ورفعتهَا حتَّى أصبحت المياهُ في خبرِ كان .لم تقتصِر القضيَّة على الأَزماتِ التي ظهرت تِباعاً بل تعدَّتها إلى تهديدِ الأَمنِ المعيشيِّ والصحيِّ والإِجتماعيِّ للشعبِ اللبنانيِّ. ترافقت هذهِ الأزماتُ مع محاولاتٍ خجولةٍ لإقرار خطةِ التعافِي الماليِّ بغفلةٍ من الشَّعبِ اللبنانيِّ ودونَ توضيحِ ما تحملهُ مِن بنودٍ كارثيَّةٍ على معيشةِ الشعبِ اللُّبنانيِّ وخاصةً فيما يتعلَّقُ بمصيرِ الودائعِ المصرفيةِ وحالُ المودعينَ في المصارفِ اللبنانيةَ. فهل كان غضُّ النظرِ عن إرتفاعِ سعرِ صرفِ الدولارِ هو للتعميةِ والتمويهِ فيما يتعلقُ بخطةِ التعافي الماليّ. قد يكونُ هذا السَّببُ أحدَ الأسبابِ ولكنهُ ليسَ السببَ الوحيدَ، فنتائجُ الإنتخاباتِ بالشكلِ التي أفضَت إليهِ تسببَت بأزمةِ ثقةٍ على مستوى الشّعبِ وكثيرٌ من المقيمينَ على الأراضي اللُّبنانيةِ الّذينَ تهافَتوا إلى شراءِ الدولارِ لحمايةِ أنفسِهم من تقلباتِ الصرفِ والأسعار.
بالإضافةِ إلى دورِ التطبيقات السوداءِ التي تعمَّدَت رفعَ سعرِ الدولارِ بشكلٍ سريعٍ ودراماتيكيٍّ تجاوباً مع الطلبِ المعلومِ من قِبل المواطنينَ والمَجهولِ من قِبل جهةٍ ما كانَت تعمدُ إلى جمعِ الدولارِ يومياً من السوقِ السوداءِ حتى لو بأسعارٍ تفوقُ السعرَ المتداولَ بهِ.
وهكذا أخذَ دولارُ السوقِ السوداءِ مسارَه التصاعديَّ حتى وصلَ إلى حدودِ أربعينَ ألفَ ليرةٍ من دونِ قدرةِ أيٍّ من الأجهزةِ الرسميةِ أو الأمنيةِ على المبادرةِ والتصرفِ لِلجمِ تصاعدِ السِّعرِ أو تَفلُّتِهِ.لطالَما شكَّلت تعاميمُ مصرِف لُبنان السَّبِيلَ الوحيد المُتاح لمعالجةِ ما أَمكنَ ولكن تبقى الأُمورُ ظرفيَّةً إِذا لم تقتَرِن بسياسةٍ ماليةٍ واضحةٍ ودعمٍ من السُّلطةِ السِّياسيَّةِ إِذا لَم نقُل تبنِّي.
فغيابُ القرارِ الواضحِ من السُّلطةِ السِّياسيَّةِ يجعلُ من التعاميمِ أداةً مؤقتةً غيرَ نهائيةٍ ينتظرُ المتضرِّرونَ مِنها الفرصةَ المُناسِبة للإنقِضاضِ عليها وهذا جعلَ سعرَ صرفِ الدولارِ يتأرجحُ صعوداً ونزولاً حتى بوجوبِ تطبيقِ هذه التّعاميمِ الَّتي تمنَّعت كثيرٌ من المَصارِف والصيارفةِ عن تطبيقِها كامِلةً .
لكنَّ المُلفِت بأيامِ ما بعدَ الإِنتخاباتِ أن تفلُّت سعر الصرفِ، وإرتفاعِ سعرِ الدُّولار حصلَ في وقتٍ ما زالَ المصرِفُ المركزيّ يعمَلُ على تطبيقِ منصَّةِ صيرفة، ويحدِّد سعرَ الدولارِ من خلالها يومياً أو بشكلٍ يومي .
هُنا لمْ يعُد أمامَ حاكِم مصرفِ لبنانَ المتروكِ وحيدًا للمعالجةِ سِوَى إِصدارِ بيان تجديدٍ للتعميم 161 والَّذي دَعا فيه اللُّبنانيينَ إلى التوجهِ إلى المَصارف للحصولِ على الدولارِ بسعرِ منصّة صيرفة .
إنِّ الأسبوعَ القادِم يعتبرُ مصيريّ لناحيةِ تحديدِ الوضعِ المالِي فإِمَّا ينتهِي الأمرُ إلى ضَبطِ السوقِ أو نذهبُ إلى المجهولِ بسعرِ صرفٍ متفلِّتٍ ودولارٍ غائبٍ وأسعارٍ جنونيةٍ وفقدانٍ للسلعِ الأساسيةِ وطبعاً هذا الأمرُ سينعكسُ على الإِستحقاقاتِ المصيريَّةِ القادِمَةِ سِواءً لناحِيةِ تشكيلِ حكومَةٍ جديدَةٍ أو لناحِيةِ إنتِخابِ رئيسٍ جديدٍ فِي ظِلِّ وضعٍ مستقِرٍ ومنتظمٍ للسُّلطةِ إلى حدٍّ ما. الحلُّ الوحيدُ المُتاحُ حالياً والضَّروريُّ لسدِّ الصَّدَعِ وتجنُّبِ تردّي الأوضاع هو الذَّهابُ إلى انتخابِ رئيسِ جُمهوريَّة فوراً مِن خارِج نادي السُّلطةِ السّياسيَّةِ الفاشِلِة وبعدَها تشكيلُ حكومَةٍ مُهِمَّةٍ ويكونُ لَديها القُدرَةُ على إقرارِ خُطَّةِ تَعافٍ مالِيّ قائِمةٍ على المُحاسَبَة ومُرفَقَةٍ بالإصلاحاتِ الضَّروريَّةِ على كافَّةِ الأصعِدة لإنقاذِ لُبنان .