البحثُ عنِ الذّاتِ: رحلةٌ لا تنتَهي

البحثُ عنِ الذّاتِ: رحلةٌ لا تنتَهي

بقلم:ريم محمد عيد رمضان
تدقيق: هادي محمود نصّار

في رحلةِ الحَياة، يَبقى سؤالُ “مَن أنا؟” الأكثَرُ إلحاحَا، ويشكِّلُ البَحثُ عنِ الذّاتِ إشكاليَّةً عميقةً في ظِلِّ تناقُضاتِ الحياةِ وتعدُّدِ الأدوارِ التي نَلعَبُها. يَرى البعضُ أنَّها جوهرٌ خفيٌّ نَحتاجُ إلى كَشفِه ككنزٍ مَدفون، بينما يَرى آخرونَ أنَّها نتاجٌ لخياراتِنا وتجاربِنا. الفلسفاتُ الوجوديَّةُ تؤكِّدُ أنَّ الإنسانَ “يصنَعُ نفسهُ” من خلالِ أفعالِه، مِمّا يَعني أنَّ البحثَ ليسَ مجرَّدَ اكتِشاف، بل هُوَ عمليَّةٌ لخلقٍ مستمِرٍّ تبرِزُ هويَّتنا. فهلِ الذّاتُ حَقيقةٌ ثابتةٌ نَكتشِفُها؟ أم هيَ بناءٌ متغيِّرٌ نصنَعُه عَبرَ الزَّمن؟

لا ينفصلُ البَحثُ عنِ الذّاتِ عنِ المُحيطِ الاجتماعيِّ، فمنذُ الطُّفولة، تشكِّلُ العائلةُ والمدرسةُ والمجتمعُ قيمَنا ومُعتقَداتِنا. أحيانا، نَجدُ أنفسَنا غارقينَ في أدوارٍ مَفروضةٍ علَينا، مِمّا يَدفَعُنا لِلتَّساؤُل:“أينَ أنا الحَقيقيُّ بينَ كُلِّ هذِهِ التَّوقُّعات؟”. الصِّراعُ بَينَ الرَّغبةِ في الانتماءِ والحاجةِ إلى التَّميُّزِ يخلِقُ تَحدِّيا وجودِيّا، يَدعونا إلى المُوازنةِ بَينَ التَّأثيراتِ الخارجيَّةِ ونِداءِ الذاتِ الدَّاخليِّ، مِمّا يُؤكِّدُ على أَهمِّيَّةِ التَّوفيقِ بَينَ تَأثيرِ المُجتمعِ وتَطلُّعاتِنا الشَّخصيَّة.

تُعتَبَرُ التَّجارِبُ الحياتيَّة، خاصَّةً الصَّعبةَ مِنها، بِمثابةِ مِرآةٍ تُعكِسُ حَقيقتَنا. فَمِن خِلالِ الألَمِ والفَرَح، والفَشَلِ والنَّجاح، نَكتشِفُ جوانِبَ خفيَّةً مِن شخصيَّاتِنا. إلى جانبِ ذلِك، يمكِنُ لأَدواتٍ مثلَ السَّفَر، والقِراءة، والفَنّ، والحواراتِ العَميقةِ أن تساعدَنا بشكلٍ كَبيرٍ في رحلةِ البَحثِ عنِ الذّاتِ هذِه. هذهِ الأدواتُ تفتحُ آفاقاً جديدةً للتَّأمُّلِ والفَهم، وتُسهمُ في بناءِ تصوُّرٍ أوضحَ لذواتِنا الحقيقيَّة.

في نهايةِ المَطاف، يَبقى البَحثُ عنِ الذّاتِ رحلةً غيرَ مُنتهية، تتطلَّبُ شجاعةً للمُواجهةِ وقبولاً للتَّغييرِ المُستمِرّ. رُبّما لا تكمُنُ الإجابةُ في الوُصولِ إلى تَعريفٍ نِهائيٍّ ومُحدَّد، بلْ في استِمراريَّةِ السُّؤالِ والاستكشافِ الدّائم. فالذَّاتُ ليسَتْ نُقطةَ وُصولٍ ثابتَة، بل هِيَ مَسارٌ حيٌّ نعيشُهُ بكلِّ ما فيهِ مِن تناقُضاتٍ وتحدِّياتٍ وجَمال. هَل نَحنُ على استعدادٍ لمواصَلةِ هذا المَسارِ المُمتلئِ بِالاكتشافاتِ؟