بقلم: زهراء عبّاس أبوزيد
تدقيق: هادي محمود نصّار
في ظلِّ التغيّراتِ السّريعةِ الّتي يشهدُها العالَم، باتَ مِن الضّروريِّ إعادةُ النّظرِ في الأساليبِ التّربويّةِ المُعتمَدةِ داخلَ المؤسّساتِ التّعليميّةِ والمُجتمعيّة. فالتّربيةُ لم تعُدْ تقتَصِرُ على تلقينِ المعرفَة، بلْ أصبحتْ عمليَّةً شاملةً تهدِفُ إلى بناءِ إنسانٍ واثِق، ناقِد، ومسؤول.
فما هو الدّورُ الحقيقيُّ للتّربيةِ الحديثةِ في تشكيلِ شخصيّةِ المتعلّم، وما المبادِئُ العلميَّةُ الّتي تدعمُ فاعليّتها؟
تعتمدُ التَّربيةُ الحديثةُ على إشراكِ المتعلّمِ في العمليَّةِ التّعليميّةِ التربويّة، بدلاً مِن فرضِ المَعرفةِ عليْه. وتؤكِّدُ نظريّاتٌ مثلَ “البنائيّة” لـ جان بياجيه و”التعلُّمُ بالإكتشاف ” لـ جيروم برونر أنّ الطالِبَ يتعلّمُ بفاعليّة حينَ يكونُ طرفاً نشطاً، يستكشِف، يُجرِّب، ويسأَل. هذا النّوعُ مِن التّربيةِ يعزّزُ التّفكيرَ النقديّ، ويمنَحُ المتعلّمُ دوراً في بناءِ معارفِهِ الخاصّة، ممّا ينعكِسُ إيجاباً على ثقتهِ بنفسهِ واستقلاليّتِه.
لا تهدفُ التّربيةُ فقَط إلى تحقيقِ التَّفوّقِ الأكاديميّ، بلْ تسعى أيضاً إلى بناءِ شخصيّةٍ متوازنةٍ نفسياً واجتماعياً. الدّراساتُ الحديثةُ في علمِ النّفسِ التّربويِّ تُظهرُ أن البيئةَ التّربويّةَ الدّاعِمة، الّتي تعترِفُ بالفروقِ الفرديّةِ وتُشجّعُ التّعبير، تُساعِدُ على تنميةِ مهاراتٍ لا تهدفُ التربية فقط إلى تحقيق التفوق الأكاديمي، بل تسعى أيضًا إلى بناءِ شخصيّةٍ مُتوازِنةٍ نفسيّاً وإجتماعيّا. الدّراساتُ الحديثةُ في علمِ النّفسِ التّربويِّ تُظهرُ أنّ البيئةَ التّربويّةَ الدّاعِمة، الّتي تعترِفُ بالفروقاتِ الفرديّةِ وتُشجّعُ التّعبير، تساعِدُ على تنميةِ مهاراتِ التكيُّف، والذّكاء العاطفيّ، والعملِ الجماعيّ. فالمؤسّساتُ الّتي تعتمِدُ التّربيةَ الشّامِلة، تُسهِمُ في إعدادِ أفرادٍ قادرينَ على مواجهَةِ تحدّياتِ الحياةِ بثقةٍ ومُرونة.
التّربيةُ في مفهومِها العلميِّ الحديثِ هي عمليّةٌ تنمويّةٌ شامِلة، تدمِجُ بينَ العقلِ والعاطِفة، بينَ المهارةِ والقيمَة. ونجاحُ أيّ منظومةٍ تربويَّةٍ لا يُقاسُ فقَط بنتائِج الإمتحانات، بلْ بمدى قُدرتِها على تشكيلِ إنسانٍ قادرٍ على الفَهم، الإبداع، والمُساهمةِ في بناءِ مُجتمعه.
فهلْ نمتلكُ الشّجاعةَ لتبنّي تربيةٍ تنقُلُ المُتعلّمَ مِن مقعدِ المتلقّيْ إلى موقعِ الفاعلِ والمؤثِّر؟