إنَّ مفهومَ الحياةِ متشعِّبٌ وكبير، وغيرُ محصورٍ بكلماتٍ معيّنةٍ دون أُخرى، ففي التعريفِ الأولِ لها، أنّها الفترةُ الزمنيّةُ التي تتراوحُ بين لحظةِ ولادةِ الإنسانِ حتّى وفاتِه، فيما يردُ في تعريفٍ آخرٍ، أنّ الحياةَ هي مُجمَل النّشاطاتِ التي يقومُ بها الإنسانُ خِلالَ يوميّاتِه، وتُثبِتُ وجودَهُ على الأرض. كثيراً ما نسمعُ أحدَهُم حينَ يداهمُهُ اليأسُ، يقولُ أنّهُ لا يشعرُ بالحياةِ، ممّا يقودُنا إلى تعريفٍ آخرٍ، أنَّ الحياةَ هِي شعورُ الفردِ واتصالِهِ، بكُلِّ الأشكالِ والمظاهِرِ الموجودَةِ على سطحِ الأرضِ، وإنَّ توقُّفَ اختلاطِ المرءِ بالنّاسِ أحياناً، قد يُشعرهُ بفقدِ الحياةِ أو الإحساسِ بِها، كما أنَّ هناكَ عواملُ عديدةٌ تساهِمُ في ذاكَ الشعورِ لدى النَّاسِ، كالإغترابِ، والبطالةِ، وظروفِ الحياةِ القاسية، والمُرورِ بتجاربٍ سيّئةٍ.
الحياةُ تُشبِهُ الرّوايَةَ الطويلَة، في بعضِ صفحاتِها يكونُ الفرحُ والأملُ، وفي بعضِ صفحاتِها يكونُ المللُ، وفي بعضِ صفحاتِها يكونُ الحزنُ، كما تَضُمُّ أبطالًا وقصَصًا وحكاياتٍ، لذلِك يجِبُ على كلِّ شخصٍ أن يُحسِّنَ قراءةَ حياتِهِ كي يعيشَ سعيدًا فيها، وأن يُحسِنَ استغلالَها بالصّورةِ الأمثلِ كي تظلَّ حياتُهُ مشرقةُ، لأنَّ الأيامَ واللياليَ لا تتكرَّرُ أبدًا، وما يَمضي مِن الحياةِ لا يعودُ، وهي مثلُ القِطارِ السَّريعِ الّذي لا ينتظِر أحدًا.
و لكن ما البُنيةُ الأساسيّةُ للحياةِ؟
البُنيةُ الأساسيةُ الأولى لتتمكّنَ مِن العيشِ في حياتكَ هي حبُّكَ للحياةِ، فهوَ شيءٌ أساسيٌّ لتنعَمَ بالراحَةِ في الحياة. بالطبعِ لا توجدُ حياةٌ خاليةٌ مِن المشاكِل والتعبِ، لكن سينتهِي بِكَ الأمرُ إذا كُنتَ تُحب الحياةَ إلى التفاؤلِ ومواجهةِ المَشاكِل ومحاولةِ إيجادِ الحلّ. أمّا إذا كُنتَ لا تُحبُّ الحياةَ فمَع أوّل مُشكِلةٍ ستقعُ فيها، ستنهارُ وستدخُل في دوامَة التشاؤمِ والاكتئابِ، وقد ينتهي بِكَ الأمرُ إلى الإنتحار.
الحياةُ مثلَ اللّوحةِ الفنيّةِ فإذا كانَ الرسامُ شخصًا متفائِل يُحبُّ الفرحَ والبهجةَ والسُّرور والسعادةَ سينعكِسُ على لوحتِه بالإيجاب. أما إذا كانَ الرسامُ شخصاً متشائِماً حزيناً يواجِهُ الكثيرَ من المتاعِب والأحزانِ، أيضاً سينعكِسُ على لوحتِهِ بالسّلب.
اذاً كيفَ يكونُ الإنسانُ سعيداً في الحياة؟
إنّ الحياةَ اليوميّة الحديثةَ، تجعلُ الإنسانَ في حاجةٍ إلى الكثيرِ من الأمورِ في حياتِه، لم تكُن موجودةً بالأساسِ منذُ قرنٍ من الزمنِ، فكلُّ الاختراعاتِ الحديثةِ من حاسبٍ آليٍّ وتلفازٍ وهاتفٍ محمولٍ وجميعُ وسائلِ الرفاهيّةِ والراحةِ الحديثةِ لم تكُن قد أنتجت بعد، ثمّ أصبحَت بمثابةِ كماليّاتٍ في حياةِ الإنسانِ، لتحتلّ بعدَ ذلكَ أهميّةً كبيرة وتُصبحَ أساسيةً في حياةِ اغلبِ النّاس.
إلاّ أنّ هذا النَّمطَ منَ الحياةِ نتجَ عنهُ الكثيرُ من المشكلاتِ الصحيّة والاجتماعيةِ، فقد ابتعدَ الإنسانُ بشكلٍ كبيرٍ عنِ الطبيعةِ الأمّ، وخرجَ عن فطرتهِ وعن الأمورِ الرّوحانيةِ التي كانت سببًا أساسيًا في اتزانِهِ على المُستويَيْن الجسديّ والنّفسيّ.
ولذلِكَ كانَ للدارسينَ والباحثينَ دورٌ في محاولةِ إيجادِ علاجٍ يمكنُ بِه استعادةُ هذا التّوازنِ في حياةِ إنسانِ العصرِ الحَديث ، وذلِكَ بنشرِ الغِطاءِ النّباتيّ وزيادةِ مساحتِه فِي المُدن، ومُمارسةِ الرّياضةِ البدنيّة بشكلٍ مُنتظمٍ، وممارسةُ التّأمُّل يوميًا، وكُلّها عوامِلُ يُمكِنُها أن تُقلِّل مِن التّوتُّر والضغوطِ العصبيّة الّتي تُحدِثها الحياةُ اليوميّة المُعاصرةُ، وتحسِّنُ من حالتِكَ النّفسيّة والجسديّة.
اعتمادُ نمطٍ غِذائِي صحيّ أيضًا بديلًا عن الوجباتِ السّريعة التي تعتمِدُ على الأغذيةِ المقليّةِ والدهونِ المحوّلةِ والكربوهيدرات المُكررةِ يُمكن أن يُحسِّن مِن حالتِكَ على المُستويينِ الجسديِّ والنّفسيّ.
مُمارسةُ هوايةٍ تُحبُّها من حينٍ لآخر يُمكنُها أن تَكِسرَ روتينَ ومللَ الحياةِ اليوميّة، وتُحقِّق لكَ الكثيرَ مِن الفوائِد، وعلى سبيلِ المِثالِ قراءَةُ كِتابٍ يُلفتُ نظركَ، أو الإستماعُ إلى موسيقى تُحبّ الاستماعَ إليها أو أغنيةٌ معبّرةٌ، أو طهيُ طبقٍ ما، تتشاركُ فيهِ مع أحبائِكَ، أو ممارسةُ صيدِ الأسماكِ إذا كانَ ذلكَ متاحًا لَك، كُلُها هواياتٌ يمكِنُها أن تمنَحَك السّعادَة والراحةَ النّفسية، وتُخفِّفَ من الضغوطِ العصبيّة، وتجعلَكَ أكثرَ قُربًا مِن فِطرتِكَ وأكثر قُدرةً على التّواصُلِ مع الآخرينَ بنفسٍ هادئةٍ مُطمئِنةٍ.
وفي البحثِ عن الحياةِ السعيدةِ نجدُ أنّ الإنسانَ عليهِ أن يوازنَ بينَ مُتطلباتِ الروحِ ومتطلباتِ الجَسد، فلا يَطغى أيٌّ مِنهُما على الآخر، ولذلكَ يَعتبرُ الحكماءُ أن الحصولَ على حياةٍ سعيدةٍ يحتاجُ إلى التّالي:
-أن تَتبعَ أوامرَ الله (عزّ وجلّ) ما استطعتَ، وتجتنِبَ نواهيهِ.
-أن تتعلّمَ العِلمَ النافِع الّذي يُمكنُ أن يُحسِّنَ من حياتِكَ وحياةِ الآخرينَ.
-أن تستغفِرَ الله وتتوبَ عمّا اقتَرفتَهُ مِن ذُنوب.
-أن تُداوِمَ على ذِكر الله.
-تقديمُ العونِ للنّاسِ والإحسانِ إليهِم، ذلكَ يُقرّبكَ مِن السَّعادَة.
-أن تكونَ ثابتًا عندَ النوائِب وقويًا في مواجهةِ المشاكل.
-أن تَتعالى على الأحقادِ ولا تترُكَ في قَلبِكَ مكانًا للبُغضِ والحِقد.
-تركُ ما لا يَعنيكَ إلى ما يَعنيكَ، وعدمُ التّحدُّثِ في شؤونِ الآخرينَ.
-اعمَل وقتَ الفراغِ بِما يُفيد.
-لا تَبكي على ما فاتَ، و لا تَخف مِن القادِم، ولا تقلَق بشأنِه، اعمَل يومًا بيوم وتوكَّل على الله.
-لا تُلقي بالًا لِكلامِ النّاس، أو تترُكهُم يؤثِّرونَ على حُكمِك للأمورِ أو يُغيّرونَ مساركَ الّذي تَرضاهُ لنفسِك.
و أخيراً، إنَّ الحياةَ هِي مُجرَّدُ فترةٍ زمنيَّةٍ نَعيشُها و سنرحَلُ عَنها يوماً ما، يجِبُ أن نعيشَها بهدوءٍ و سلامٍ و ننعَم بِها إلى حينِ وصولِنا للموتِ، و لكن قبلَ مَعرِفةِ الإجابة عن سؤال:” هل هُناكَ حياةٌ بعدَ الموتِ؟” علينا أنْ نسأَل، هَل كُنّا في الأصلِ على قيدِ الحَياة قَبلَ المَوت؟
