الذَّكاءُ العاطِفيّ: ميزانُ القوَّةِ في مُواجهةِ الذَّكاءِ الإصطناعِيّ

الذَّكاءُ العاطِفيّ: ميزانُ القوَّةِ في مُواجهةِ الذَّكاءِ الإصطناعِيّ

بقلم: علي رضوان سعيد
تدقيق: هادي محمود نصّار

“فِي عالَمٍ يَزدادُ فيهِ الاعتمادُ علَى التِّكنولوجِيا، سَيصبِحُ الذّكاءُ العاطِفيُّ المَهارةَ الجَوهرِيّةَ الّتي تميِّزُ الإنسانَ عِن الآلَة.” هَذا مَا كَتبهُ “دانييل جولمان” فِي كِتابِه الشّهير “Emotional Intelligence”. فَفي ظلِّ التّطوّرِ المُتسارِعِ للتِّكنولوجِيا أصبَحَ لِزاماً علَينا كَبشرٍ أن نُصوِّبَ النَّظرَ إلى المَهاراتِ الّتي تميِّزُنا وتَتصلُ بجَوهَرِنا الإنسانِيّ. ويَبقى السّؤالُ الأساسِيُّ فِي هَذا الإطَار، كيفَ يُمكنُ للإنسانِ أن يُحافِظَ علَى تفوُّقِه أو حتّى وُجودِهِ وَسطَ هَذا التَحوّل؟

الإجابَةُ لا تَكمنُ فِي مُنافسةِ الآلةِ بِقدراتِها، بَل فِي العَودةِ إلى ما يَجعَلنا بَشراً مُميَّزينَ فِي الأسَاس، “الذّكاءُ العاطِفيّ “. وبحَسبِ جُولمان أيضاً هوَ عَملِيّةُ إدارةِ المَشاعِرِ بِذكاءٍ والتَّفاعلِ مَع الآخرينَ بطريقةٍ تَبني العَلاقاتِ وتُوجِّهُها على نحوٍ أعمق. وَهذا بِبَساطةٍ هوَ ما لا يُمكنُ للآلةِ تَقليدُه.

يَتضمَّنُ الذكاءُ العاطِفيُّ عَديداً مِنَ المَهارات، قَد يَكونُ أبرَزُها الوَعي الّذي يُعرِّفُنا على مَشاعِرِنا وتَأثيرِها على سُلوكِنا ويَمنحُنا بالتّالِي القُدرةَ علَى التَحكّمِ بالانفِعالات. إضافةً إلى المَهاراتِ الاجتماعيّةِ الّتي تُخوِّلُنا بِنـاءَ العَلاقاتِ الوَثيقةِ والتّواصُلِ الصَحيحِ مَع النَّاس، وبالتّالي فَهمَ مَشاعِرِ الآخرينَ والتَّعاطُفَ مَعَها.

لمُواكبةِ الزَحفِ الهائلِ والمُتسارِعِ في مَجالِ الذّكاءِ الإصطِناعيِّ لا بُدَّ مِن وِرشَةٍ كُبرى لِتطويرِ الذّكاءِ العاطِفيِّ عِندَ الإنسان. تَبدأُ بِالتّعاطُفِ وَما يُمثِّلهُ مِن قُدرةٍ على فَهمِ احتياجاتِ الآخرينَ وتَفهُّمِها والتّعامُلِ مَعَها، إضافةً إلى المَرونَةِ النَّفسيّةِ الّتي يَتفَرَّدُ بِها الإنسانُ بِالقُدرةِ على التَّكيُّفِ والتّأقلُمِ مَع المتَغيِّراتِ الطارِئةِ الّتي قَد يُواجِهُها، وُصولاً إلى التّواصُلِ الفَعّال، إذ أنَّ الذّكاءَ الإصطِناعيّ قد يُولِّدُ الكَلِمات، إلّا أنَّ الذّكاءَ العاطِفيَّ هوَ الّذي يُحدِّدُ مَتى نَستَعمِلُها أو النَّبرةَ الّتي نَنطِقُ بِها. وَلا تَنتَهي هذِه الخُطواتُ إلّا عِندَ فَنِّ القِيادَةِ الّذي يُمكِّنُ الفَردَ مِن اتّخاذِ القَراراتِ الحاسِمةِ بطريقةٍ مَدروسةٍ تُراعي القِيمَ الإنسانِيّة.

بالمُحصِّلَة، وَعلى الرُّغمِ مِنَ الثَّورَةِ الهائلَةِ الّتي حَدثَت على صَعيدِ الذّكاءِ الاصطِناعيّ، تَبقى الحقيقةُ الدّامِغَةُ أنَّهُ قد يُقلِّدُ مَشاعِرَنا الإنسانيّةَ لَكِنَّهُ لا يَشعُر. أو قَد يَتَفاعَلُ مَعَنا بِلُطف، لَكنَّهُ لا “يَفهَمُ” حقيقةَ ما نَمرُّ بِه. وهَذا تَحديداً ما يَرتَقي بِه الإنسانُ إلى مُستوى لَم يَصِلهُ الذّكاءُ الإصطِناعيُّ بَعد. باختِصار، قَد تَستَطيعُ الآلةُ أَن تَفوزَ في لُعبةِ الشَّطرَنج، لَكِن هل سَتستَطيعُ مُواساتَكَ إذا خَسِرت؟