الصّمت… رفاهِيّةُ العُقلاء.

الصّمت… رفاهِيّةُ العُقلاء.

بقلم: ريان إبراهيم نجم
تدقيق: هادي محمود نصّار

ليسَ كُلُّ مَا يُقالُ يَستحِقُّ أن يُسمَع ، ولَيسَ كُلُّ ضَجيجٍ هُو دَليلٌ علَى الحَياة. فِي زَوايَا هَذا العالَمِ الَّذي لا يكُفُّ عِن الصَّخَب، أصبَحَ الصَّمتُ فِعلاً واعِيا، وَوَسيلَةً للتَّوازُنِ النَّفسيِّ و العَقلِيّ. لَم يعُد الصَّمتُ مُجرّدَ لَحظَةِ هُدوءٍ عابِرَة، بَل تَحوَّلَ إلى ضَرورَةٍ نَفسيَّةٍ و عَقليَّةٍ و رُوحيَّةٍ يستَحقُّ أَن يُحتَفَى بِها. لَكن، فِي هَذا العَالَمِ المُرتَبطِ بالحُضُورِ التَّفاعُليِّ و الكَلامِيّ، هَل مازالَ الإنسَانُ قادراً على احتِضانِ صَمتِه؟

الصَمتُ لا يَعنِي الغِيابَ أو اللّامُبالَاةِ كمَا يَظنُّ البَعض، بَل هُو حُضورٌ مِن نَوعٍ مُختَلفٍ تمَاما، هُو مَساحَةٌ للتّأمُّل، لفَهمِ الذّاتِ و لإعادَةِ تَرتِيبِ الأولَويّات، إنَّهُ الفاصِلُ بينَ الضّجِيجِ الخارِجيّ و صوتُ الإنسانِ الدَّاخلِيّ. ووِفقاً للدِّراسَات، فإنَّ لَحظاتٍ مِنَ الصَّمت، و إن كانَت قَصيرَة، تُحدِثُ فرقاً مَلموساً فِي خفضِ التَّوتُّر، وتَنظيمِ المَشاعِر ، وتَحفيزِ الإبدَاع .

أمّا علَى المُستَوى الإجتِماعِيّ، فمِنَ المُمكِنِ أن يكونَ الصَّمتُ شَكلاً مِن أشكالِ الإحتِرامِ و الوَعِي، إذ قَد يَمنعُ شرّاً فِي لَحظةِ غَضَب، ويَكونُ فِي حَضرةِ الحُزنِ أبلغَ مِن مُواسَاةٍ مُبتذَلَة، كَما و أَنَّ الصَّمتَ فِي النّقاشِ يَكونُ أحياناً أقوَى مِن كُلِّ الحُجَج، لأنَّهُ يعبِّرُ عِن حِكمَةِ الامتِناع، لا عِن عَجزِ التَّعبير .

إنَّ إعادَةَ الاعتِبارِ لقيمَةِ الصَّمت، لا تَعنِي الدَّعوةَ إلى العُزلَة، بَل إلى امتِلاكِ وَعيٍ ناضِجٍ يَمنحُنا لحظاتٍ مِن الهُدوءِ فِي عَالمٍ لا يتوقَّفُ فِيهِ الضَّجيج.
ومَع تزايُدِ وتيرَةِ الصَّخَب، هَل سنَفقِدُ يَوماً مَا قُدرةَ الاستِماعِ إلى أنفُسِنا؟ أم سنُدرِكُ أنَّ الصَّمتَ ضَرورةٌ ملحَّةٌ لتَحقيقِ تَوازُنِنا ؟