الضُعْفُ هُوَ صِفَة إنْسَانِيَّة، مقال بقلم ✍️ الزّميلة زينب عبد الحسين محسن

الضُعْفُ هُوَ صِفَة إنْسَانِيَّة، مقال بقلم ✍️ الزّميلة زينب عبد الحسين محسن

لا يُوجَدُ إنْسَانٌ كامِلٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْض، بَلْ يُوجَدُ مَنْ يُحاوِلُ تَجمِيلَ صُورَتِهِ لِكَي يَظْهَرَ أَمَامَ الآخَرِينَ بِأَفْضَلِ وَأَكْمَلِ وَجهٍ، تِلكَ الصُّورَةُ الغَيرُ حَقيقِيّةٍ وَالَّتِي هُوَ نَفْسَه يُدْرِكُ بِأَنَّها لَيسَتْ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُ يَخْشَى أَنْ يُظهِرَ عَدَمَ كَمالِهِ وَالسُؤالُ الَّذي يَكمِنُ هُنَا، لِمَاذَا عَلَى المَرءِ أَنْ يَبذُلَ قُصَارى جُهدِه فَقَط لِيُظْهِرَ بِأَنَّهُ كَامِلٌ؟ أَليسَ الكَمَالُ لله وَحدَه؟

في عَالمِ الإستِهلاكِ وَالمَظاهِرِ كَثُرَتْ فِئَةُ المُتَظاهِرين بالكَمالِ المُزَيَفِ فَقَط لِيَعكِسَ صُورَةً لِمُجتَمَعِه بِأَنَّهُ الأَفْضل فيَرَى نَفْسَهُ أَصْبَحَ فِي حَالَةِ الهَوسِ فِي مُحاوَلَتِهِ الحِفَاظَ عَلَى هَذِه الصُّورَةِ الَّتِي رَسَمَها، إنَّهَا القُوَة المُدّعَاة! فَبالوَقتِ الَّذِي يَظُنُّ مُجْتَمَعَه بِأَنَّهُ قَوِيٌّ هُوَ فِي الحَقِيقَةِ عَلَى وَشَكِ الإنْهِيَار.

فِي سَعيِنا لِلكَمَالِ، عَلَيْنَا تَقَبُّلُ أنْفُسِنَا كَما هِيَ، تَقبُّلُ بِأَنَّنَا لَدَيْنَا نِقَاطَ ضُعفٍ، تَقَبُّلُ بِأَنَّنَا لَنْ نَكتَمِل أَبَدًا، تَقَبُّلُ أَخطَائَنَا والإعتِرافُ بِهَا كَمَا هِيَ لِأَنَّ الإنْسَانَ الَّذِي لا يَعتَرِفُ بِأَخْطَائِهِ بِرَأْيي يَمتَلِكُ صِفَاتٍ لا بَشَرِية، لِأَنَّ القُوَّةَ بِحَدِّ ذَاتِها هيَ إِدرَاكُ الإنْسَانِ لضَعفِه وإدراكِه بِإحْتِمالِيَّةِ فَشَلِه، إنَّ مَعرِفَةَ الضَّعفِ هُوَ بِحَدِّ ذاتِه الوَقُودُ الَّذي سَيُؤَهِلُنِا إلَى مَرحَلَةِ النَّجَاحِ وَأُعِيدُ وَأُكَرِرُ إِنَّ مُحَاوَلَةَ الإدِّعَاءِ بالقُوَةِ وَعَدَم تَقبُلِ الضُّعفِ هُوَ مِنْ أَبشَعِ التَّشُوهَاتِ النَفْسِيّةِ الَّتي يَرْتَكِبَها المَرءُ وَمَنْ يُحَاوِل أَن يتغاضى عَنْ شُعورِه مَا هُوَ إلَّا بِمُخادِعٍ كَبِيرٍ لِنَفْسِه.
إنَّها المَشاعِر، إنَّها مَشَاعِرُ الإِنْسَانِ وَلَيسَت بِعَجزٍ وَالتَعْبِيرُ عَنْها هُوَ تَخْفِيفٌ لِلْضَغطِ والتَوَتُرِ فَلَيسَتْ الشَّطَارَةُ فِي كِتابِها بَلْ فِي إفْراغِهَا وَالتَّخَلُصِ مِنها.
وَإذَا نَاقَشْنَا مِنَ النَّاحِيَة الدِّينِيَّة سَنَجِدُ بِأنَّ الأنْبِياءَ أَيْضًا عَبَّرُوا عَنْ حُزنِهِم وَحَالَاتِ ضُعْفِهم، فَلِمَاذا يَلْجَأُ البَعضُ إلَى الإخفَاءِ؟

لِلدَعْمِ النَّفْسِي وَالرَّسَائِلِ الإيجَابِيَةِ دَورٌ بَارِزٌ فِي إنمَاءِ ثِقَةِ الإنْسَانِ وَمُسَاعَدَتِهِ عَلَى تَحقِيقِ تَوازُنِهِ السَّلِيمِ وَمَنْ إفتَقَرَ لِلدَعمِ وَالحُبّ هُوَ الَّذِي يَلْجَأ إلَى صُورَةِ الكَمَالِ المُزَيَفةِ فَيَجْعَلُ مِنْ نَفْسِهِ عُرْضَةً لِلهَلاكِ أكْثَر.

فِي نِهَايِةِ مَقَالي هَذا، أُوَجِهُ رِسَالةً وَاضِحةً إلَى كُلّ مَخلُوقٍ بَشَرِي، أنْ يُدْرِكَ أنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا لَدَيهِ الحُدُودُ الَّتي لا يَسْتَطِيعُ تَجَاوُزَهَا وَهُوَ نَفْسُه المَخلُوقُ الصَّغِيرُ الضَّعِيفُ سَيَصْنَعُ مِنْ ضُعْفِهِ قُوَةً بِمُجَرَدِ التَّقَبُلِ وَالقَنَاعَةِ، لِأنَّ الكَمَالَ هُوَ تَصْحِيحُ الأخْطَاءِ وَالإدرَاكِ بِأنَّ مَا لَكَ هُوَ لَكَ وَمَا لَيسَ لَكَ هُوَ لَيسَ لَكَ!