العائِلة: الحِصنُ الآمنُ وكنزُ الطُّفولَة.

العائِلة: الحِصنُ الآمنُ وكنزُ الطُّفولَة.

بقلم: نيللي جهاد كولكو
تدقيق: هادي محمود نصّار

العائِلةُ هيَ اللِّبنة ُالأُولَى الّتي ينطلِقُ مِنها كلُّ إنسانٍ فِي رحلتِهِ فِي الحَياة، فهيَ الحِضنُ الّذي يُولَدُ فيهِ الطِّفل، ويَتعلَّمُ مِن خلالِهِ مَعنَى الحُبِّ والانتِماء. داخِلَها يجِدُ الأمانَ الّذي يَحتاجُه، والدَّعمَ الَّذي يُساعِدهُ علَى النُّموِّ بثِقَة. فهيَ ليسَت مَكاناً للسَّكنِ فَقط، بَل عالمٌ صَغيرٌ يُبنَى فيهِ القَلبُ والعَقلُ مَعا. ومِن دونِ العَائلَة، يَفقِدُ الطِّفلُ الرّكيزَةَ الأساسيَّةَ الّتي تَحميهِ مِن الخَوفِ والضَّياع. فَهيَ مَصدرُ المَشاعِرِ النّقيَّة الّتي لا تُعَوَّض، والمَدرسةُ الأولَى الّتي تُزرَعُ فِيها القِيَم. لكِن يَبقى السُّؤال: هَل يَستطيعُ الطِّفلُ أَن يكبُرَ بشكلٍ سَليمٍ إذا حُرِمَ مِن هَذا الحُضنِ الدَّافِئ؟

الإجابةُ تَبدأ مِن الدَّورِ العاطِفيِّ الّذي تؤدّيهِ الأسرَةُ فِي حياةِ الطِّفل، فهيَ تَمنحُهُ الطَّمأنِينَةَ والثِّقةَ بنَفسهِ مِن خِلالِ حَنانِ الأمِّ واحتِوائِها، ورعايةِ الأبِ الّتي تُشعِرهُ بالقوَّة، ومُشاركَةِ الإخوةِ الّتي تَغمُرهُ بلحظاتِ الفَرح. هَذا الجَوُّ العاطِفيُّ هُو الّذي يَحميهِ مِن القَلقِ ويَمنحُهُ الإستِقرارَ النَّفسي. فالطِّفلُ الّذي يَشعُر أنَّهُ محبوبٌ ويحظَى بدَعمٍ مُستمِرّ يُصبحُ أكثرَ قُدرةً علَى مُواجهةِ الصُّعوبات، بينَما غِيابِ هَذا الدَّعم يُولِّد الوِحدةَ والإضطِّراب.

إلى جانِبِ الحَنان، تَغرِسُ العائِلة القِيمَ الأساسيَّةَ فِي شَخصيَّة الطِّفل. فَهوَ يتعلَّمُ مِن سلوكِ والِديهِ قبلَ أيِّ درسٍ مَدرسِيّ: يكتسِبُ مَعنَى الصِّدقِ مِن صِدقِهم، ويتعلَّمُ التَّعاونَ مِن مُشارَكتِهم، ويحفَظُ قيمةَ الإحتِرامِ مِن تَعامُلهِم مَع الآخَرين. كَما أنَّ مُشاركتَهُ فِي أعمَالِ المَنزِلِ تَغرِسُ فِيهِ المَسؤوليَّة، والحِوار مَع أهلِهِ يعلِّمهُ أسلوبَ النّقاشِ السَّليم. هَذهِ القِيَم تُرافقُهُ خَارجَ البَيت، ليُصبِح تلميذاً مُلتزماً وصديقاً وفيّا، ممّا يُبرهِنُ أنَّ الأسرةَ هيَ المَدرسةُ الأُولَى فِي حَياةِ الإنسان.

كذلكَ تَلعبُ الأسرةُ دوراً مِحوريّاً فِي نَجاحِ الطِّفلِ علَى الصَّعيدِ التَّعليميِّ والإجتِماعِيّ. فمُتابعَةُ الأهلِ لدراسَتهِ وتَشجيعُهُم لهُ تَجعلُهُ أكثَر اجتِهاداً وثقَةً بقُدراتِه. كَما أنّ الأجواءَ الدّاعمَةَ داخِلَ البَيتِ تُنمِّي فِيهِ مَهاراتِ التَّواصُل، مِثلَ احتِرامِ آراءِ الآخَرينَ وحلِّ الخِلافاتِ بروحٍ إيجابيَّة. هَذهِ المَهاراتُ تَفتحُ أمَامَهُ الطَّريقَ ليَكونَ فرداً ناجحاً وقادراً علَى الاندِماجِ فِي المُجتَمع. وبالتَّالِي، فإنَّ العائلَةَ هيَ الأساسُ الَّذي يُحدِّدُ مُستقبَلَ الطِّفل، ويَصنعُ مِنَ الفردِ الصَّغيرِ إنساناً مَسؤولاً قادراً علَى العَطاء.

وهكَذا يتّضِحُ أنَّ لا إمكانيَّةً لنموِّ الطِّفلِ بشكلٍ سليمٍ مِن دونِ العَائلَة الّتي تُحيطُهُ بالحُبّ، وتَغرِسُ فيهِ القِيم، وتَدعمُهُ فِي كلِّ خُطوَة. فَهيَ الحِصنُ الّذي يَحمِيه، والجِسرُ الّذي يُوصِلهُ إلى مُستَقبلٍ مُتوازِن. لكِن يَبقَى السُّؤال: هَل نُقدِّرُ نَحن، كأفرادٍ ومُجتَمع، حقّاً قيمةَ العائِلَة ونَسعى لحِمايَتِها لتَظلَّ قويَّةً وقَادِرةً عَلى بِناءِ الأجيَال؟