بقلم: زهراء عبّاس أبوزيد
تدقيق: هادي محمود نصّار
تقعُ مدينةُ النّبطية في قلبِ الجنوبِ اللّبنانيّ، وتحملُ في وجدانِ أبنائِها وفي ملامحِ شوارعِها مزيجاً فريداً مِنَ التّاريخ، الثّقافة، والهُويةِ النِّضالية. تُعرفُ المدينةُ ليسَ فقط بدورِها الوطنيِّ في مقاومةِ الإحتلال، بَل أيضاً بكونِها مركزاً روحيّاً وثقافيّاً بَارزا، خاصةً في إحيائِها لذِكرى عاشُوراء.
فهلْ استطاعتِ النّبطيةُ أن تَحافظَ على هُويتِها العميقةِ وسطَ التغيُّراتِ الحديثَة، أم أنَّ تقلّباتِ الواقعِ الحديثِ تهدِّدُ خصوصيّتَها التّاريخيّةَ والدّينيّة؟
النّبطيةُ ليسَتْ مُجردَ مدينةٍ جَنوبيّة، بَل واحدةً مِن أقدمِ المدنِ اللّبنانيةِ الّتي لعبَتْ دوراً مُهمّاً في الحَراكِ الوطنيِّ والمُقاومةِ ضدَّ الإحتلال. وقد أنجبَتْ شخصيّاتٍ عِلميّةً وأدبيّةً بارِزة، وكانَتْ مَركزاً للحياةِ الفكريّةِ منذُ القرنِ التاسعَ عَشر. تشتهرُ بسوقِها القَديم، وقلعتِها، ومكتبتِها العامّة، فضلاً عن مكانتِها التّعليميّة، مِمّا يجعلُها نقطةَ توازنٍ بينَ الحداثةِ والعمقِ التّاريخيّ.
إحياءُ عاشوراءَ في النّبطيةِ ليسَ مناسبةً دينيّةً عابِرة، بلْ هوَ حدثٌ ثقافيّ، اجتماعِيّ، وروحِيٌّ عمِيق، يجمعُ النّاسَ على فكرةِ الصّمودِ والتّضحيةِ والعَدالة. تشتهرُ المدينةُ بمواكبِ العزاءِ والمَسيراتِ الحاشِدة، وبمسرحيةِ “مقتلِ الإمامِ الحُسين” الّتي تُعرضُ كلَّ عامٍ في ساحةِ المَدينة، وسطَ مشهدٍ مَهيبٍ يجمعُ مُختلفِ الفِئات. هذا الإحياءُ لا يُعبّرُ فقط عن ولاءٍ دينيّ، بلْ عَن موقفٍ أخلاقيٍّ يعكِسُ هُويةَ الجنوبِ وروحَ أهلِه.
تَبقى النّبطيةُ مدينةً تحِملُ عبقَ التّاريخ، ووهجَ الموقِف، وحرارةَ الإيمان. هي نموذجٌ لمدينةٍ لبنانيّةٍ استطاعَتْ أن توازِنَ بينَ التُّراثِ والحَداثة، بين الذّاكرةِ والمُستقبل.
فهلْ يُمكنُ الحِفاظُ على هذا التّوازنِ الهويّاتيِّ في ظِلِّ التّحولاتِ المُتسارعة، أم أنَّ المُدنَ العريقةَ مهدّدةٌ بفقدانِ ملامحِها الأصِليّة؟