ثقافةُ العيبِ بينَ المكاسِبِ والخَسائر.

ثقافةُ العيبِ بينَ المكاسِبِ والخَسائر.

بقلم::ريم محمد عيد رمضان
تدقيق: هادي محمود نصّار

العَيبُ هُو مَفهُومٌ اجتِمَاعيٌّ عَمِيقُ الجُذُورِ فِي العَدِيدِ مِن الثَّقافات، وَيُشِيرُ إلَى الشُّعُورِ بِالخَجَلِ أَو العَارِ النَّاتِج عَن مُخَالَفَةِ الأعرَافِ وَالقِيَم المُجتَمَعِيّة. فِي سِيَاق المُجتَمَعَاتِ العَربِيّة، يَكتَسِب مَفهُومُ “ثَقافَة العَيب” أهَمِّيّةً خَاصَّة، حَيثُ يُنظَر إِلَيه غَالباً كأَدَاةِ ضَبطٍ اجتِمَاعيٍّ تُحافِظُ عَلَى تَمَاسُكِ المُجتَمَع وَقِيَمِه. وَلَكِن، هَل تُعدُّ ثَقافَةُ العَيب دَائِماً قُوَّة إِيجَابِيّة؟ أم أَنَّهَا تَحمِلُ فِي طَيّاتِهَا جَوَانِب سَلبِيّة تحدُّ مِن حُرِّيّة الفَردِ وَتَطَوُّرِه؟ وَكَيف يُمكِننَا تَحقيقُ التَّوَازُن بَين الإيجَابِيّات وَالسَّلبِيّات فِي هَذِهِ الثَّقافة؟

مِن نَاحِيَة، تُقَدِّم ثَقَافَة العَيب بَعض المَكَاسِب المُهِمّة لِلمُجتَمَع. فَهيَ تَعمَل كَآلِيّة رَدع طَبِيعِيّة، فبِمُجَرَّد التَّفكِير فِي أَنَّ سُلُوكاً معَيَّناً يُعدُّ “عَيب” قَد يَمنَع الفَرد مِن ارتِكَاب الأَخطَاء أَو المُخَالَفَات الأخلَاقِيّة. هَذا الخَوفُ مِن العَار الاجتِمَاعِيِّ يَحُثّ الأَفرَاد عَلَى الالتِزَام بِالمَعَايِير الأَخلَاقِيّة، مِثل احتِرَام كِبَار السِّن، وَالحِفَاظ عَلَى سُمعَة العَائِلَة، وَالابتِعَاد عَنِ السُّلُوكِيّات الَّتي تُضرُّ بِالمُجتَمَع. وَبِهَذا المَعنَى، تُسهِم ثَقَافَة العَيب فِي بِنَاء مُجتَمَع أَكثَر تَمَاسُكاً وأَمنا، حَيثُ يَتَقَاسَم الأَفرَاد قِيَماً مُشتَرَكَة وَيَعمَلُونَ عَلَى حمَايَتِها.

بالمُقابِل، تَحمِل ثَقَافَة العَيب فِي طَيّاتِهَا خَسَائِر جَسِيمَة. فَهِيَ قَد تَكُونُ سَيفاً ذَا حَدَّين، فَبَينَمَا تُحافِظ عَلَى القِيَم، فإِنَّهَا قَد تَخنُقُ الحُرِّيّاتِ الشَّخصِيّة وَتَمنَع التَّعبِير عَنِ الذَّات. فِي كَثِير مِن الأَحيَان، يُستَخدَمُ “العَيب” لِتَبرِير التَّمِيِيز ضِدّ المَرأَة، أَو تَقيِيد اختيَارَاتِ الشَّبَاب فِي التَّعلِيم وَالعَمَل، أو حَتَّى في مَنعِ الحَدِيث عَن قَضَايَا حَسّاسَة مِثل الصِّحّة النَّفسِيّة. هَذا الخَوفُ مِن “العَيب” قَد يَدفَع الأفرَاد إِلَى إِخفَاء مَشَاكِلِهِم أو التَّظَاهُر بِمَا لَيس فِيهِم، مِمّا يُؤدِّي إِلَى تَفَاقُم الأَزمَات الشَّخصِيّة وَالمُجتَمَعِيّة. وَبِهَذا، تُصبِح ثَقَافَة العَيب عَائِقاً أَمَامَ التَّطَوُّر وَالانفِتَاح، وتُبقِي المُجتَمَع أَسِيراً لِلقَوَالِب الجَامِدَة.

لِذا، يَكمُن التَّحَدِّي فِي كَيفِيّة إِعَادَة صِيَاغَة مَفهُومِ العَيبِ لِيُصبِحَ قُوَّةً دَافِعَة لِلتَّطَوُّر بَدلاً مِن كَونِه أَدَاة لِلتَّقيِيد. يُمكِننَا ذَلك مِن خِلَال التَّركِيز عَلَى القِيَمِ الإِيجَابِيّة مِثل المَسؤُولِيّة، والتَّسَامُح، وَالعَدالَة، بَدلاً مِن مُجرَّدِ الخَوف مِنَ العَار. فَبَدلاً مِن أَن نَعتَبِر التَّعبِيرَ عَنِ الرَّأيِ المُختَلِفِ “عَيبا”، يُمكِننَا أَن نَرَاهُ كَقُوَّةٍ إِيجَابِيّة تَدفَع لِلحِوار. وَبَدلاً مِن أَن نَخجَل مِن طَلَب المُساعَدَة، يُمكِننَا أَن نَرَى فِي ذَلك قُوَّة وَشَجاعَة. فَهَل يُمكِننَا أَن نُحَوِّل ثَقَافَةَ العَيبِ إِلَى ثَقَافَة “اِحتِرَامِ الذَّاتِ وَالآخَر”، حَيثُ يُعَدُّ السُّلُوكُ السَّلبِيُّ عَيباً لِأَنَّه يَضُرُّ بِالجَمِيع، لَا لِأَنَّه فَقَط يُخَالِف العَادَات؟