ثقب مجتمعيّ أسود _ مقال بقلم شذى حسن

ثقب مجتمعيّ أسود _ مقال بقلم شذى حسن


لا لن أستهِلّ المقدّمةَ بتعريف (التعنيف) فإنّهُ مُصْطلحٌ يُرجى أن يتلاشى من قاموس اللُّغةِ عامّةً والعقولِ السّاذجةِ خاصّةً.

-“زينة ماتت أنا وعَم سكًّتها متل ما أي رجّال بيسكّت مرتو!” من أقوال قاتل زينة كنجو (إبراهيم غزال)
-“فقت السّاعة خمسة الصّبح، خبّرت ولادي إنّو رح إقتل إمّن ورحت قتلتها!” من أقوال قاتل نسرين روحانا(جان ميشال ديب)
-“شي وصار!” من أقوال قاتل منال تيماني (مازن حرفوش)
-“بس ضربتها كفوف بس ما لبطتها على أيّ مطرح بجسمها، ما بعرف مين عمل هيك!” من أقوال قاتل منال عاصي(محمد نحيلي)
-“رنا وقعت من السّيارة على الطريق نحنا وماشيين وأنا ما خصني!” من أقوال قاتل رنا بعينو (شربل الهبر)
-“نكعتها نكعتين وكنت إضربها شوي من فترة لفترة!” من أقوال قاتل رولا يعقوب (كرم البازي)

لا ليست بالصّدفِ، إنّها الحقيقة الأدسم ، ففي المجتمعات العربيّة الْتي تدّعي الرّيادة وهي غارقة في مستنقع السّذاجة يُقال في تبشيرٍ يعلوه تبسّماتٍ وفخر هو رجل يحقّ له ما لا يحقّ لغيره ، وفي شريعة التّحرّش يُصادفُ أنّ المرأةَ هي المذنبةُ بجمالِها وبجسمها و بثيابها .
هذه ليست بتفاصيل أرويها من منطلق أنّي أنثى، بل هي روايات يكتبها و يرويها مجتمعنا العزيز منذ حوالي ألفي سنة .

في مجتمعنا العزيز لا ذنبَ يقعُ على عاتقِ المتحرّش ولا القاتل ولا المعنِّف ، في مجتمعنا تنطلق غطرسة الحكم الّتي تحكم على المعنِّف بالسّجن بضعَ سنواتٍ لتليها الحرّيةُ الهزيلة الّتي تقضي على الامرأة المعنّفة وتحوّلها من منصب المعنّفة إلى المغدورة، وبعدها إلى جيمٍ مسجّى داخل ضريح مغطّى بأكاليلَ من الزّهر وعبارات “المأسوفة على شبابها” ، في شريعةٍ أخرى لا سلطة على الجاني و”معليش العالم بتنسى” وكأنها مسرحية وليست بجريمة !

أُشفق على يديها النّحيلتين اللّتين لم يتبقَّ من العزمِ فيهما لتحاربَ سجنها ، تضحّي بحياتها من أجل الّا تعيش وأولادها عيشة ذليلة مع نظرة المجتمع “مطلقة” فأي مصطلحٍ أفضل مطلقة أم معنّفة ، مطلقة أم توفاها الله !

هو ثقبٌ مجتمعيٌّ أسود وسرعانَ ما يتّسع ويتّسع مع رقعةِ الجهل الّتي تنتشرُ يوميّاً في مجتمعاتنا ، مع إحصاءاتٍ تشيرُ أن نسبة التّعنيف في وتيرةٍ تصاعديّة من سنةٍ الى أخرى ولا من مبصر لحالها الحالكة .
إنها جريمةٌ ذو فجوةٍ مجتمعيّةٍ سودائية لا ثقب .