ما عُدتُ أحتمِلُ الصمتَ بعد ما عانيتُ مِنهُ، ما مّرَ يومٌ إلاّ وكانَ مرارَتُهُ أشدّ قسوةً مِن قَهوتِي، اختبأَ خلفَ الحائِط بحُجّةِ مشاكِلِ الماضي، وتكلّمَ عن التّعفُّفِ بالحُبّ و هو من ساهمَ في تلويثِهِ، فمن لوّثَ النهرَ لا يشربُ من مياهِه.
لم يكتفي ذلكَ المجرمُ بوعودِهِ الكاذبةِ، و كانَ قد أخذَ على عاتِقهِ حمايةَ من قدّمَ لهُ قلبهُ قُرباناً، ولكنّهُ خانَ الأمانةَ كعادتِهِ، تباً لقلبِهِ الذي مازالَ يوهِمُني أنّني أملِكُهُ.
أختَبِئُ كالخطيئةِ، في عينَيهِ بِتُّ أسيرةً، كالجُثّةِ الهامدةِ أتوسّلُ يديهِ، أنتَ الذي قد أقبَلَ اليّ بالحُبِ مُفعماً، وقُلتَ لي لا تخافي منّي يا حبيبَتي، فملاذُ قلبِك سَكينُ الفُؤادِ و عزيزٌ عليّ…
لمَ غدَرتَ الوريدَ وجرحتَ الهوى، لأعودَ كالعُصفورِ في سجنِكَ أسير.
إلى متى أعاتِبُ قلبَكَ و أجافيهِ، وإلى متى ألتَمِسُ لكَ أعذارً أخفِفُ بِها عن كاهِلي، من سيُعوّضُ لي عن كِبريائي و من يُطبطِبُ على عِفّتي الضائعةِ على مَرِّ تِلكَ اللّيالي الحالِكَة، بئسَ ما رأيتُ مِنكَ يا قاسيَ القلبِ، كُنتَ سنَدي وأمنِي و الأمان،
فما عادَ ينفعُني من بعدكَ سوى المُضيّ و النِّسيان…
