بقلم: نيللي جهاد كولكو
تدقيق: هادي محمود نصّار
الممَّنُوعاتُ بِجَمِيعِ أَشكالِها مِن أخطرِ المَساراتِ الَّتِي قد ينجَرفُ إليها الإنسَان. هذا الطّريقُ يبدأُ غالباً بخُطوةٍ صَغيرة، بدافعِ الفُضولِ أو التَّجربَة، ثمَّ يتحوَّلُ إلى إدمانٍ يَصعُبُ الخُلوصُ منه. بعضُ النّاسِ يظنُّونَ أنَّ الممَّنُوعاتِ وسيلةٌ للهروبِ مِن مشاكِلِ الحَياةِ أو لتجرِبةِ متعةٍ وقتِيَّة، لكنَّ الحقيقةَ أنَّ تلكَ الخطوةَ قد تكونُ بدايةَ النِّهاية. فالمَمنُوعاتُ تَسلِبُ الإنسانَ صحَّتَه، وتُدَمِّرُ نفسيَّتَه، وتُفقِدُهُ ثِقةَ مَن حَوله، وأحياناً تُودي بحياتِه. وهُنا عَلينا أن نَتَوَقَّفَ ونَسأل: لمَاذا يلجَأُ بعضُ الأشخاصِ إلى المَمنُوعاتِ رُغمَ معرفتِهم أنَّ نهايتَها مأساويَّة؟
الأسبابُ الَّتِي تدفعُ النّاسَ إلى هذا الطَّريقِ عديدَة: فبعضُهم يدخلُ إليهِ بسببِ مشاكلَ أُسريّةٍ أو ضغوطٍ نَفسيّة، فيظنُّ أنَّ المخدِّرَاتِ أو الكحولَ ستريحهُ وتُنسيهِ هُمومَه. لكن، بدلاً مِن الراحةِ، يجدُ نفسَهُ أسيراً لمادَّةٍ تَتَحَكَّمُ بهِ يوماً بعدَ يوم. جسدُهُ يعتادُ سريعا، وعقلهُ لا يُفكِّرُ إلا بطريقةٍ واحِدة: كيفَ يَنالُ الجُرعةَ التّاليةَ. وهُنا يبدأُ بفقدانِ السَّيطَرةِ على نَفسه، وتُصبِحُ المُشكِلةُ مُسيطِرةً بدلَ أن يُسيطَر عليها .
والسببُ الآخر، وربَّما الأهَمّ، هو ضغطُ الأصدِقاءِ ورفقاءُ السُّوء. فكلمةُ “جرِّب” من صديق، أو تحدٍّ من مَجموعَة، قَد تكفي لجرِّ الشّابِّ أوِ الفتاةِ إلى الطَريقِ الخاطِئ. وكثيرٌ منهم يظنُّونَ أنَّ التّجربةَ لمرةٍ واحدةٍ لن تَكونَ مضرَّة، لكنَّ الحقيقةَ أنَّ تلكَ التّجربةَ قد تفتحُ باباً يصعُبُ إغلاقُه. وما إن يبدأَ الشّخصُ حتّى يجدَ صعوبةً في التوقُّف، فيفقدُ الثِّقةَ بنفسِهِ وبمستقبله. وهنا يكونُ دورُ الأسرةِ والمجتمعِ أساسيّا في تقويةِ وعيِ الشّباب، وزرعِ الثِّقةِ فيهِم بأنَّ رفضَ الخطأِ ليسَ ضَعفا، بل هو أعظمُ قوَّة.
المَمنُوعاتُ لا تُضِرُّ بالفردَ فقط، بل تُؤذِي المجتمعَ بأسرِه. فالمُدمنُ قد يلجَأُ إلى السرقةِ أو العنفِ لتأمينِ حاجتِه، فيصبحُ عبئاً على أسرتهِ وبلدِه والحلُّ ليسَ أن نلومَهُ ونَتركَه، بَل أن نَمُدَّ لهُ يدَ المُساعدةِ ونفتحَ أمامَهُ أبوابَ العلاجِ والتّعافيِ. والوقايةُ دائماً خيرٌ من العلاج، فالتّوعيةُ في المدارسِ، والحملاتُ الإجتماعيَّة، وتوفيرُ بدائلَ صحِّيَّةٍ للشّبابِ مثلَ الرّياضةِ والفنونِ والنّشاطاتِ، كلُّها وسائلٌ تَحمي الجيلَ الجديدَ من الوقوعِ في الفَخّ. وكلُّ فردٍ يستطيعُ أن يكونَ قُدوة، ويُبرهِنَ أنَّ الحياةَ النّظيفةَ أقوى وأجملُ من أيِّ مَمنُوعات.
المَمنُوعاتُ طريقٌ سَريعٌ إلى الدِّمار، تَسلبُ الإنسانَ صحَّتَهُ ومُستقبَلَه. مثلُ شابٍّ كانَ متفوِّقاً في دِراستِه، جرَّبَ لمرةٍ واحدةٍ تحتَ ضغطِ رِفاقِه، فخَسِرَ سَنواتِ عمرِه وجُهدِه. وهذا المِثالُ يؤكِّدُ أنَّ الوقايةَ والوَعيَ أهمُّ من أيِّ تجربةٍ عابِرة. تَذكَّر دائماً أنَّ القرارَ بِيَدِك، وأنَّ الاختيارَ الصَّحيحَ هُو مفتاحُ الحياةِ الآمِنة. والسّؤالُ هُنا: هل جُرعَةٌ واحدةٌ تستحقُّ أن تخسرَ كلَّ ما بنَيت؟