حينَ تُجلدُ البَراءة:

حينَ تُجلدُ البَراءة:

صرخةُ الطفولةِ في وجهِ العُنفِ

كتابة وتدقيق: منى غالب جمعة

في عالمٍ يتغنّى بالسّلام، يختبئُ العنفُ خلفَ الأبوابِ المُغلقَة، يتسللُ إلى غرفِ الأطفالِ حيثُ يفترضُ أن يكونَ الدّفءُ والأمان. هناك، تُسرقُ البراءةُ بلا رحمة، وتُكتمُ الصَرخات الصّغيرةُ في صدورٍ لا تعرفُ بعد كيفَ تعبِّر عنْ الألم.

العنفُ ضدَّ الأطفالِ ليسَ مجردَ فعلٍ لحظيّ، بل ندبةٌ تبقَى للأبد. هو ليسَ مجردَ صوتٍ عالٍ أو يدٍ ترتفع، بل هو انهيارُ ثقة، وانكسارُ روح. كم منْ طفلٍ نامَ ودموعُه تبللُ وسادته، لا خوفًا من وحشٍ خياليّ، بل من وجهٍ يعرفهُ جيدًا! وكم من طفلةٍ تخافُ العودةَ إلى البيت، لأنَّ بيتها ليسَ مأوى، بل ميدانُ نجاة.

الطفلُ الذي يتعرّضُ للعنفِ لا يَنسى، بل يحملهُ معهُ في صَمته، في ارتباكه، في خَجله، وحتى في غَضبه حين يَكبر. العنفُ لا يُربي، بل يَهدم. لا يَصنعُ إنسانًا صالحًا، بل إنسانًا تائهًا يبحثُ عن ذاتِه بين ركامِ الخوفِ والخذلان.

العنفُ لا يكونُ فقطْ بالضَّرب، بل بالصُراخ، بالإهانة، بالإهمال، بالكلمةِ التي تقتلُ أكثرَ من السوط. الطفلُ لا يحتاجُ سوى إلى يدٍ دافئة، وصوتٍ يُطمئن، وعينٍ ترى فيهِ ما هو عليهِ فعلًا، لا ما نريدُ نحن أنْ يكون.

كلُ طفلٍ يتعرضُ للعنفِ هو مستقبلٌ يُشوَّه، وأمل يُطفأ. دعونا لا نكون سببًا في خلقِ جيلٍ مكسور. دعونا أنْ نكونَ الجدارَ الذي يحتمي به، لا الجدارَ الذي يَصطدم به. فالطفولةُ أمانةٌ، ومن خانها خانَ الإنسانية.

ليكن صوتُنا عاليًا بوجهِ كلِ من يؤذي طفلاً، ولتكُنْ قلوبنا ملاذًا لكلِ صغيرٍ يبحثُ عن دفءٍ لم يجده بعد. لأنَّ العنفَ لا يورثُ إلا العنف، والحبُّ وحدَهُ يورثُ السّلام .