بقلم: علي رضوان سعيد
تدقيق: هادي محمود نصّار
مع حُلولِ فَصلِ الخَريف، تَتَحوَّلُ الجِبالُ وَالسُّهولُ في لُبنان إِلى مَسرَحٍ حَيٍّ لِحِكاياتِ الصَّيدِ وَالصَّيّادين. فَالصَّيدُ عِندَ البَعضِ لَيسَ مُجرَّدَ هِوايَة، بَل فُرصَة لِلإبتِعادِ عَن ضَجيجِ الحَياةِ اليَوميّةِ وَالتَّواصُلِ مَع الطَّبيعة. وَمَع ذلِك، يُطرَحُ سُؤالانِ اليَومَ بِقُوَّة: إِلى أَيِّ مَدى يَستَطيعُ الصَّيّادونَ مُمارَسَةَ تَقليدِهِم السَّنَوي وَسَطَ التَّحَدّياتِ الإقتِصاديّة، وَإِلى أَيِّ مَدى يَلتَزِمونَ بِالقَوانينِ وَيَتَحَمَّلونَ مَسؤوليَّتَهُم تُجاهَ البِيئَة؟
زادَتِ الأزماتُ المُتتاليةُ في الأَعوامِ الأَخيرة مِن صُعوبَةِ مُمارَسَةِ الصَّيد. فَقَدِ ارتَفَعَت أَسعارُ الخَرطوشِ وَالمُعَدّاتِ بِنِسبَةٍ تَجاوَزَت ١٥٠٪ مُقارنَةً بِخَمسِ سَنواتٍ مَضَت، وَارتَفَعَت رُسومُ التَّراخيصِ بِنِسبَةٍ تَصِلُ إِلى ٨٠٪ ، ما جَعَلَ الهِوايَة بِالنِّسبَةِ لِكَثيرين مُكلفَةً بِشَكلٍ يَفوقُ قُدرَتَهُم المادِّيَّة. يَقولُ أَحَدُ الصَّيّادينَ في الشّوف: “قَبلَ الأَزمَة كُنتُ أَصطادُ بِانتِظام، أَمّا اليَوم فالتَّكلِفَة أَحياناً تَفوقُ الدَّخلَ الّذي يُمكِنُ أَن نَحصُلَ عَلَيهِ مِن الصَّيد.”
وَيُؤكِّدُ محمّد، صاحِبُ مَحلٍّ لِبَيعِ أَدَواتِ الصَّيدِ في البِقاع، أَنَّ المَبيعاتِ تَراجَعَت بِشَكلٍ كَبير. يَقول: “قَبلَ سَنتَين كُنّا نَبيعُ مُعَدّاتِ الصَّيدِ بِشَكلٍ مُنتَظَم، أَمّا اليَوم فمُعظَمُ الزَّبائِن يَشترونَ أَحياناً لِمَرَّةٍ واحِدَة في المَوسِم فَقَط، وَكَثيرونَ تَوقَّفوا عَنِ الصَّيدِ نهائياً بِسَبَبِ الأَسعار” هذِهِ الشَّهاداتُ تُعَبِّرُ عَن واقِعِ الصَّيّادينَ وَالمُستَثمِرينَ الصِّغارِ في القِطاع، وتُوضِّحُ حَجمَ التَّحَدّياتِ الإقتِصاديَّةِ الّتي تُواجِهُ مُمارَسَةَ الصَّيد.
الصَّيدُ لا يَقتَصِرُ عَلى اصطيادِ الطَّرائِد، بَل هُوَ أَيضاً وَسيلَةٌ لِلتَّواصُلِ مَع الأَرضِ وَالتمتُّعِ بالطَّبيعة. في أَحضانِ الجِبالِ يَجتَمِعُ الأَصدِقاء، يَتَبادَلونَ الخِبرات، وَيَشعُرونَ بِانتمائِهِم لِلطَّبيعةِ وَلأرضِهِم. هذِهِ اللَّحظاتُ تَجعَلُ مِن الصَّيدِ تَجرِبَةً اِجتِماعيَّةً تَعكِسُ العَلاقَةَ العَميقَةَ بَينَ الإِنسانِ وَمُحيطِه.
لَكِن مُمارَسَةَ الصَّيدِ تَتَطَلَّبُ مَسؤوليَّةً كَبيرةً تِجاهَ البِيئَة. بَعضُ الصَّيّادينَ يَلتَزِمونَ بِالقَوانينِ وَيَحرِصونَ عَلى حِمايَةِ التَّنَوُّعِ البِيولوجيّ، بَينَما يَقَعُ آخَرونَ في أَخطَاءٍ غَيرِ مَقصودَةٍ أَو مُتَعَمَّدَة أَحيانا، مِثلَ الصَّيدِ في مَوسِمِ التَّكاثُرِ أَوِ استِخدامِ وَسائِلَ غَيرِ قانُونِيَّة، ما يُؤَدّي إِلى تَهدِيدِ الحَياةِ البَرِّيَّة. فالتَّوعِيَةُ المُستَمِرَّةُ وَالإلتِزامُ بِالقَوانينِ هُما السَّبيلُ لِضَمانِ مُمارَسَةِ الصَّيدِ بِطَريقَةٍ مَسؤولة.
باختِصار، يَبقى الصَّيدُ في لُبنان أكثَرَ مِن مُجرَّدِ هِوايَة أَو مَصدَرِ رِزق، إِنَّهُ تَقليدٌ خَريفيٌّ يَجمَعُ بَينَ التَّرفيهِ وَالانتماءِ لِلأرض، وَمَساحَةٌ لبِناءِ الصَّداقاتِ وَالتَّواصُلِ مَع الطَّبيعة. وَمَع التَّحَدّياتِ الحاضِرَة، يَبقى الأَملُ مَعقوداً عَلى وَعيِ الصَّيّادينَ وَسِياساتِ الدَّولَةِ والمُجتَمَع، فَهَل سَتَستَمِرُّ هذِهِ الهِوايَةُ كجُزءٍ حَيٍّ مِن هُويَّةِ لُبنان البِيئيَّةِ وَالثَّقافِيَّة؟ أَم أَنَّها مُهَدَّدَةٌ بِالانحِسارِ مَع ضُغوطِ الواقِعِ الإقتِصاديِّ وَالبِيئيّ؟