خطابُ الكراهيةِ: الوجهُ الآخرُ للحروبِ

خطابُ الكراهيةِ: الوجهُ الآخرُ للحروبِ

بقلم علي رضوان سعيد
تدقيق : فاطمة محمد صالح الموسوي

في يومِنا هذا، لمْ تعُدِ المعاركُ تُخاضُ في الميدانِ فَقط، بلِ امتدَّتْ إلى الإعلامِ ومنصّاتِ التّواصلِ الإجتماعيّ. حيثُ شكّلَ خطابُ الكراهيةِ أحدَ أبرزِ أدواتِ التّحريض. على هذهِ المواقع، لا تحتاجُ إلى جيشٍ كَي تخوضَ مَعركة، بلْ إلى جمهورٍ غاضِب، وكلماتٍ تَحريضيّة. وهُنا تبرزُ الإشكاليّةُ التّالية: إلى أيِّ حدٍّ يُمكنُ اعتبارُ ذلكَ حرّيّةَ تَعبير، ومَتى تتحوّلُ الكلمةُ إلى تهديدٍ للتّعايشِ وتمهيدٍ للعُنف؟

عمُوما، خطابُ الكراهيةِ هو وقودُ الحُروب، سياسيٌّ بِالفعل، طائفيٌّ بِالشّكل، كمَا نشهدُه اليوم. ولولا هذا الخطابُ المنتشِر، لكانتِ الحروبُ أخفَّ وطأة، وأقلَّ خَسارة. لكنَّ كثيرينَ يخلطونَ ما بينَ حرّيّةِ التّعبيرِ وخطابِ الكراهية. حرّيّةُ التّعبيرِ تتيحُ للفردِ التّعبيرَ عن رأيِه أو موقفِه، ما دامَ لا يتضمّنُ تحريضاً على الكراهيّةِ أو العُنف. أمّا عِندما تتحوّلُ الكلمةُ إلى دعوةٍ للإعتداءِ على الآخر، فذلكَ يخرجُ من إطارِ الحرّيّةِ تماما.

تُشكّلُ وسائلُ التّواصلِ الإجتماعيِّ مساحةً كبيرةً أمامَ النّاسِ للتّعبير، لكِنّها في الوقتِ نفسِهِ تَفتحُ باباً أمامَ خطابِ الكراهيةِ دُونَ حواجِز. في لُبنان، نَرى ذلِكَ بِوضوحٍ في كلِّ أزمَة. فكيفَ نَنسى فَترةَ انفجارِ مرفأِ بيروتَ مثلا، كيفَ امتَلأتِ المِنصّاتُ بتبادلِ الإتّهاماتِ الطّائفيّة، وتحوّلَتْ مواقعُ التّواصلِ إلى ساحاتٍ للشّتائمِ الّتي طالتِ الضّحَايا والأحياءَ معا.

خطابُ الكراهيةِ لا بدَّ أنْ يولِّدَ أثراً حتّى وإنْ بَدا مجرّدَ كلامٍ لا يقدّمُ ولا يؤخِّر. فتِكرارُهُ قدْ يُشرّعُ العُنف، ويبنيَ جدراناً بينَ النّاس، ويولّدَ الرّغبةَ في الإنتقام. باختصَار، ما يبدأُ كمنشورٍ عابِر، قدْ ينتَهي بِحوادثَ مأسَاويّة. التّعاملُ مَع هذا الخطابِ يتطلّبُ توازناً بينَ حِمايةِ حرّيّةِ التّعبيرِ ومنعِ التّحريض. ولا شكَّ بأنَّ التّوعيةَ والتّربيةَ على احترامِ التّنوّعِ تبقى خطَّ الدّفاعِ الأوّلَ ضدَّ الكراهيَة. ثمّ يلِيها بالطبعِ المُساءلةُ القانونيّةُ عبرَ المحاكمِ والقَضاء.

فِي النّهاية، عَلينا أنْ نُدركَ أنّ التّعصّبَ لا يجلبُ سوى تعصّبٍ مضادّ، وأنّ الطائفيّةَ لا تولّدُ إلّا الطائفيّة. نحنُ كلبنانيّين، بكلِّ طوائفِنَا وانتِماءاتِنا، قَادرونَ عَلى العيشِ مَعا، فَقطْ إذا تخلّينَا عنِ الطّائفيّةِ والعُنصريّة. ألمْ يقُلْها إمامُ الوَطنِ يوماً : “الطّوائفُ في لُبنانَ نِعمة، والطّائفيّةُ نَقمة”؟