لم يتجاوز البيان الاميركي- الفرنسي- السعودي الصيغ الانشائية المعتادة في محطات سابقة اثبتت ان الملف اللبناني الموجود على «الطاولة» ، لا يتقدم الاولويات الا من «بوابة «الترسيم»، اما الاستحقاقات الدستورية والاقتصادية فلم تجد مكانها بعد في صدارة الاهتمامات الدولية والاقليمية. وقد تكون نتائج زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى نيويورك اوضح دليل على غياب الاهتمام الجدي والعملي بالملف اللبناني ففي ما يتعلق بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتعهّد ميقاتي «السير قدماً بكلّ الإصلاحات التشريعية والإدارية الضرورية للخروج من محنتنا الحاضرة»، لفتت اوساط سياسية بارزة الى ان «الحظ العاثر» لرئيس الحكومة ان وجوده في نيويورك تزامن مع بيان وفد صندوق النقد في بيروت والذي «حذر» المسؤولين اللبنانيين من مغبة الاستمرار في «المراوغة» في تنفيذ الاصلاحات التي لم ينفذ منها شيء، ولهذا فان اعلانه مواصلة الجهود معالجة الأزمة الاقتصادية كلمات «فارغة» لم تقنع احدا من المجتمعين في نيويورك خصوصا الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية التي لم تكن على «السمع»
على الرغم من مناشدتها من قبل رئيس الحكومة الذي اعلن ان لبنان يعول على مساعدة «أصدقاء» لبنان الدوليين، وفي طليعتهم الدول العربية الشقيقة.
- لا تجاوب في ملف «النزوح»
ولفتت تلك الاوساط الى ان كلام ميقاتي عن إعادة عقد مؤتمر «أصدقاء لبنان الذي طالما احتضنته فرنسا بالتعاون مع أصدقاء لبنان وأشقائه» لم يجد اي آذان صاغية في لدى اي من الدول المعنية التي لم تقدم اي وعود بعيدا عن اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي والذي يؤمن 3 الى 4 مليارات دولار مقسطة لعدة سنوات. اما في موضوع النازحين السوريين، فلم تجد دعوة ميقاتي في «تحقيق العودة الآمنة والكريمة إلى سوريا» اي تجاوب من قبل الاميركيين او الدول الاوربية وكذلك الامم المتحدة، ولمس رئيس الحكومة بشكل واضح «الاجواء السلبية»، وتمسك تلك الدول في «عرقلة» اي خطة جدية لانهاء أزمة النزوح التي باتت أكبر من طاقة لبنان على التحمّل. «خريطة طريق» نظرية
وفي هذا السياق، توقفت مصادر دبلوماسية امام البيان الثلاثي المشترك حول لبنان، ورات فيه صيغا انشائية دون اداة تنفيذية مؤثرة في الاحداث، لكن اللافت في مواصفات الرئيس المقبل اقرار بعدم القدرة على ايصال رئيس مواجهة لحزب الله وحلفائه، ودعوة صريحة للوصول الى رئيس «تسوية» وذلك بعد ايام على دعوة السيد حسن نصرالله الى الحوار للتفاهم على الاستحقاق الرئاسي، وهذا قد يفتح «الباب» امام نقطة تلاق يمكن البناء عليها اذا «صفت النوايا» لدى الجميع. وهذا يشير بوضوح الى تقدم النظرية الفرنسية القائمة على استمرار الحوار مع الحزب كونها الوسيلة المثلى للوصول الى تفاهمات داخلية وربما اقليمية بعدما فشلت سياسة المواجهة السعودية- الاميركية.
- دعوات اصلاحية
وكان وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية قد اصدروا من نيويورك بيانا بخصوص لبنان دعوا فيه إلى تشكيل حكومة «قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية المطلوبة بشكل عاجل لمواجهة أزمات لبنان السياسية والاقتصادية، وتحديداً تلك الإصلاحات اللازمة للتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي»، وإلى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتناسب مع الدستور في لبنان، وقال البيان إنّ «من المهم انتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للتغلب على الأزمة الحالية، وشدّد على ضرورة تنفيذ الحكومة اللبنانية أحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 و1701 و2650 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة»، مؤكداً التزام تلك الدول باتفاق الطائف. وفي هذا السياق، فان تمسّكُ البيان بتنفيذ القرارات الدولية كلّها وضمنا القرارات التي تحصر السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية فقط لا غير، لا يحمل جديدا بل مجرد تكرار لمواقف سابقة لن تجد لها اي مفعول على ارض الواقع، بحسب تلك الاوساط، في ظل قناعة راسخة بان هذا الملف غير قابل للنقاش الان ويحتاج الى مناخات اقليمية ودولية مختلفة. ولهذا يمكن اعتبار البيان «اعلان نوايا» يحمل في طياته تحذيرات وتوجيهات غير مقرونة بحراك عملاني.
- الجولة السادسة؟
وفي سياق متصل، الانظار تتجه الآن الى «الجولة السادسة» من المحادثات الايرانية –السعودية بعد اعلان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، انتهاء الجولة الخامسة من المحادثات في العراق وتاكيده ان هناك نقاشا على أن تكون الجلسة المقبلة بين الرياض وطهران على مستوى وزراء الخارجية، مؤكدا «تهيئة الظروف لجولة جديدة». وبراي اوساط مطلعة فان هذه الجولة اذا عقدت قريبا ستعطي مؤشرا على وجود تقدم كبير في العلاقة بين الطرفين وستنعكس حكما على الساحة اللبنانية. ويبقى ان الايام المقبلة ستكون حاسمة لجهة معرفة ما اذا كان البلدان يسعيان الى خطوات ثقة قبل اللقاء العلني المقبل، ام ان تلك الخطوات ستلي اللقاء، وسيكون اليمن ولبنان ابرز ساحتين للتلاقي اوالاختلاف، وستكون التجربة العملانية الاكثر مرونة في لبنان، وذلك لتاكيد «حسن النوايا»، خصوصا ان في اليمن تعقيدات كبيرة يضاف اليها معطى جديد يتعلق بالوضع المتوتر في العراق. وتخلص المصادر الى القول» اذا اردنا ان نعرف مدى التقدم في المحادثات بين البلدين علينا ان نراقب كيف سيتم التعامل مع الاستحقاقات الداهمة على الساحة اللبنانية»