سباتٌ عميقٌ، مقال بقلم✍️سوسن الحجيري

سباتٌ عميقٌ، مقال بقلم✍️سوسن الحجيري


       خَلفَ آثارِ الدَّجاجِ كنتُ أحبِسُ أنفاسي خشيةَ أن يعثُر عليَّ أحدٌ.
ٍتركتُ اجتماعًا عائليًّا و فرَرْتُ بقلبي الوحيدِ إلى حظيرةٍ صغيرةٍ بها كلُّ أشكالِ القذارَةِ و لكِنَّها تخلو من البَشرِ، و هذا يجعلُها آمنَةً كما زَعَمتْ..
جَثَوْتُ في زاويةٍ يصعُبُ بلوغُها، لايصِلُها لا الضَّوءُ و لا الهواءُ، بها رَوائِحُ الدَّجاجِ و الماعزِ و الكثيرِ من الرّيشِ و الشَّعرِ المفتَّتِ، و قليلٍ من الدَّمِ المسفوكِ.
     هناك، في زاويَةٍ أشدُّ ضيقًا من القبرِ وجدْتُ سلامًا بعيدًا عن كائناتٍ مُفترسَةٍ تُدعى «بشر»  . كنتُ ألُفُّ ذراعيَّ حولَ ركبَتَايَ طامسَةً رأسي بينَهُما، مُعلِّقَةً روحيَ الحائرةَ بخيطٍ أرقُّ من الحليبِ.    حتى بدأَ الرّيشُ يتزحزَحُ من تحت قدَميَّ، و الشَّعرُ المتناثِرُ يُحلِّقُ فوقَ رأسي، ذاكَ الدَّمُ الجَّافُ كقطعَةِ طينٍ صارَ لهُ مجرى و خرير…
     الخيطُ المثبِّتُ لروحي بدأَ ينحلُّ و خفقاتُ قلبي صارَت كدوِيِّ الرَّعدِ، الأصواتُ حولي تزدادُ، الرّيشُ يتجمَّعُ و الشَّعرُ يُغَلِّفُهُ، مخالِبٌ مدمَّمَةٌ ظهرَتْ و التصَقَتْ بهِ، و الدَّمُ انحرَفَ جرَيانُهُ إلى جوفِهِ ليُصبِحَ جسدًا مخيفًا لحظةَ رؤيتي بدأ بالصُّراخِ و الجريِ نحوي…
     فقدتُ السَّيطَرةَ على الحركةِ، صارت قدمايَ تركُضانِ دونَ إدراكٍ إلى أينَ تتَّجِهُ، رأسي يصطَدِمُ هنا و هناك، رائحةُ الموتِ تُلطِّخُ جبهتي و ذاكَ الشَّبحُ ما زالَ يلاحِقُني و كأنَّه ظِلٌّ خبيثٌ لا ينفَكُّ عنّي…
أتخبَّطُ يمينًا و يسارًا حتى صِرتُ على مقرُبةٍ من نافذةِ غرفَتي، تحتَ شمسٍ ساطعةٍ و ضجيجِ الأحفادِ يَغلِبُ الصُّراخُ اللّاحقُ بي، و لكنَّهُ لم يغلِبْ صُراخي…
    هنا سقطَ قلبي مستسلمًا ناطقًا الشّهادتينِ، يُكرِّرُها و كأنَّها لحظاتُهُ الأخيرةُ، و لكنّ الصُّراخَ اختفى، لم يعُد خلفي سوى دموعِ اخوتي، و نظراتُ ذُعرٍ تحيطُ بي، أحدُهم يطلُب النَّجدَةَ و آخرُ يضمُّني إلى صدرِهِ و يشدُّني، ينتَشِلُني من أرضٍ كنتُ بها مبعثرَةُ الجناحِ، معلَّقةَ الرّوحِ ، نازفَةُ الفؤادِ…
   هدأتْ أوردَتي، سكنَتْ روحي بينَ ذراعيْهِ، و اتَّكأ قلبي على قلبِهِ يأخذُ قسطًا من الرّاحةِ، و…
-لم نستطِع تهدئَةَ قلبِها، حتى راحَ في سُباتٍ عميقٍ.
البقاءُ للّه…