في بلدٍ تعددت فيه القضايا الإجتماعيّة على أنواعها لم يعُد هناكَ متّسعٌ لقضايا أكثر.
في بلدٍ واجهَ أبنائُه العديدَ من القضايا الّتي جعلتهُ يغيّر نظرتهُ تجاهَ بلدٍ أَحبّه، ولا يزالُ أبنائه يتحمّلون، ومن بينِ هذه القضايا الّتي تتخلّلُ مجتمعَنا اليومَ والّذي لا يزالُ شبحُ صوتِها يخترِقُ آذانَنا ألا وهي ظاهرةُ التّسرّب المدرسيّ.
مَنْ منّا لمْ يسمَع عن إبنِ فلانٍ ، وفلانُ الّذي استاءَ من طلبِ العلمِ و تفرّغَ لحياتِه متزعِّمًا بأنّ المدرسةَ أصبحت كالشّبح لهُ، تتعدّدُ الظّروفُ والنتيجةُ واحدة.
ففي وقتٍ نحتاجُ فيهِ إعادةَ تكوينِ لبنانَ الإنسانيّ والحضاريّ لا تزال معدّلاتُ التّسرُّب المدرسيّ في ارتفاعٍ و ارتفاع. فما هي أسبابُ ونتائجُ إنتشار هذه الظاّهرة؟
وعلى من تقعُ هذه المسؤوليّةُ المشتركةُ بينَ البيتِ والمدرسة؟
هذه الظّاهرة المقلِقَة المخيفَة لها أسبابٌ عدّة؛ فمِن بينِ هذه الأسباب أولئكَ الطّلاب الّذي لا يملكونَ نظرةً بعيدةً لمستقبلهم، رغبتُهم الوحيدةُ تركُ المدرسة نتيجةَ صعوبةِ التأقلمِ أو الحالةُ النّفسيّة الّتي تصيبُهم نتيجةَ الدّرسِ المكثّف والتّعب، والمُلفتُ فتبدأُ رغبتهم مِن العُمر الإثنا عشرة سنةً فيعتقدونَ أنفسهُم بأنّهم باتوا غيرَ مجدينَ للدراسةِ، وهنا يتجلّى غيابُ دورِ الأهل و مسؤوليّتهم تِجاه مستقبلِ أولادِهم المُبهم.
سببٌ آخر يتجلّى في مشاكِل العائِلة الإقتصاديّة وعدَم توافُر الشّروط الماديّة لمتابعَة وتحمُّل أقساطِ الدّراسةِ وخاصّةً في هذه الآونةِ الّتي يُعانيها لبنان نتيجةَ خسارتِه لقيمةِ ليرتهِ والإرتفاعِ الجنونيّ بالأسعارِ الّذي يضعُنا بينَ حاضرٍ مأساويّ و مستقبلٍ مغلقِ الآفاق.
و من هنا لكلّ قضيةٍ نتائجها، لذلك فإنّ ظاهرةَ التّسرّب المدرسيّ تركت أثرَها في المجتمعِ وجعلتْ مِنه مجتمعًا متخلفًا ترتفعُ فيه نسبةُ الأميّة و الجهلِ سيطرةُ المزيدِ من العاداتِ والتّقاليدِ الّتي تُقيّد فِكر الإنسان وتجعلُه غير متطوّر فكريًّا و عمليًّا يخلو من الحرية والسّيادة، عوضًا عن ذلك فالنّتيجة الكُبرى هي ارتفاعُ معدّل البطالةِ فانخفاضُ مستوى التّعليم يقلّص فُرص الفردِ في الحصولِ على مركزٍ مرموقٍ أو وظيفةٍ رسميّة .
ختامًا في بلدٍ أصبحَ أبنائهُ يتنقّلون بينَ أشباحِ الماضي والحاضر، لا يسعنا سوى التّغيير نحو الأفضل والحد من هذه الظّاهرة الّتي تعيقُ تقدّمه وتطوّره .
الآن نحنُ في حاجةٍ ملحّة إلى أبناءِ وطنِنا الّذين هم أسيادُ الغدِ وفُتحةُ الأملِ الّتي نتمسّك بها، هم أبناء وطننا الّذين سيرفُضون ما يحصلُ بوطنهِم .
إنّني أؤكّد وأشدّ انتباهَ مؤسّساتِنا وأهلنا للنّظر إلى ابنائِهم و الحدّ مِن هذه الظاهرةِ. لكي نعيدَ و طننا الحبيبَ وسويسرا الشّرقِ!