على عتبةِ النّتيجةِ: يُمتحَنُ الطَّالبُ في صبرهِ قبلَ درجاتِه

على عتبةِ النّتيجةِ: يُمتحَنُ الطَّالبُ في صبرهِ قبلَ درجاتِه

كتابة و تدقيق: هادي محمود نصّار

في لُبنان، لا تمثِّلُ نتائجُ الشّهادةِ الثَّانويةِ العامّةِ مجرَّدَ إعلانٍ لأرقامٍ ودرَجات، بلْ تعدُّ لحظةً مفصليّةً في حياةِ آلافِ الطُّلّاب، يُبنى عليها مستقبلُهمْ الأكاديميُّ ومكانتُهم في عيونِ المُجتمع. وفي ظلِّ الضّغوطِ الإجتماعيّةِ والإقتصاديّةِ التي يعيشُها البلَد، يتحوَّلُ انتظارُ النّتائجِ إلى تجربةٍ نفسيةٍ شائكةٍ تلامسُ أعماقَ الطّالبِ وأُسرتِه، وتكشفُ حجمَ العبءِ الّذي يتحمَّلهُ شبابٌ في مقتبلِ العُمر. وهنا نتساءلُ:هلْ أصبحَ الإمتحانُ الرّسميُّ معياراً نفسيّاً لاكتمالِ شخصيّةِ الطّالبِ بدلاً من كونِهِ مجرّدَ أداةٍ لتقييمٍ أكاديمِيّ؟

مع اقترابِ موعدِ صدورِ النّتائج، يدخلُ الطّالبُ في حالةٍ منَ القلقِ النفسيِّ المُتصاعِد. يبدأُ الأمرُ بتسريباتٍ وتوقُّعاتٍ على مواقعِ التَّواصل، تتبعُها ليالٍ بلا نومٍ وأحاديثٌ لا تنتَهي عن “متى” و”كيفَ” و”كمِ العلامة”. تتهافتُ التّوقُّعاتُ من الأهل، وتتراكمُ نظراتُ المجتمعِ الّتي تختصرُ مستقبلَ الطّالبِ بكلمةِ “ناجحٍ” أو “راسِب”. هذه المرحلةُ ترافقُها أعراضٌ نفسيّةٌ واضِحة: اضطرابٌ في النَّوم، فقدانٌ للشَّهية، سرعةُ الانفِعال، وشعورٌ داخليٌّ بالتَّهديد، حتّى قبلَ معرفةِ النَّتيجة.

وعندَ صدورِ النَّتائج، لا تهدأُ النّفوسُ فوْرا، بلْ تتفجَّرُ مشاعرٌ مختلطَةٌ من الفرحِ والخذلانِ والحَيْرة. البعضُ يحتفلُ وكأنَّ الحياةَ قد بدأتْ للتَّوّ، والبعضُ الآخرُ يدخلُ في صمتٍ ثقيلٍ لا يُفهمُ بسهُولة. في مجتمعٍ يقدِّسُ الشَّهادات، قد يشعرُ الطّالبُ الّذي لم ينلِ النَّتيجةَ المرجوَّةَ وكأنَّهُ خذلَ الجَميع، حتّى نفسَه. لكن ما لا يُقالُ غالباً هوَ أنَّ هذهِ اللّحظةَ لا تختبرُ فقط ْقدراتِهِ الأكاديمِيَّة، بلْ أيضاً هشاشتَه النَّفسيّة، وصمودَهُ في وجهِ ثقافةٍ تُصنِّفُ النّجاحَ بمعيارٍ واحدٍ فقَط.

ما بين طموحاتٍ كبيرةٍ وواقعٍ مَرير، يعيشُ الطّالبُ اللّبنانيُّ تجربةً نفسيّةً معقَّدةً مع كلِّ موسمِ نتائِج. تجربةٌ لا تُروى بالأرقامِ بلْ بالأنفاسِ المحبوسةِ والدّقائقِ الطَّويلة. ويبقَى السّؤالُ المعلَّقُ في أذهانِ الكثيرينَ دونَ إجابةٍ واضِحة:هلْ نتائجُ الإمتحانِ هي مقياسٌ فعليٌّ لمُستقبلِ الطَّالبِ في بلدٍ تتبدَّلُ فيهِ المعاييرُ كلَّ يومٍ؟