بقلم منار حسن الهق
تدقيق منى غالب جمعة
في ليلِ غزَّةَ الحالكِ، حيثُ تتراقصُ أشباحُ الموتِ بينَ الأنقاضِ، تتصاعدُ صرخاتٌ مكتومةٌ، تروي حكايةَ مدينةٍ تحوَّلتْ إلى مقبرةٍ جماعيَّةٍ.
هنا، حيثُ كانتِ الحياةُ تضجُّ بالألوانِ والضحكاتِ، أصبحَ الصَّمتُ هو سيِّدَ الموقفِ، صمتٌ مُطبِقٌ، كثيفٌ كالكابوسِ، يخنقُ الأنفاسَ ويكمِّمُ الأفواهَ.
أطفالٌ بأعينٍ خاويةٍ، كأنَّها مرايا مكسورةٌ، يتشبَّثونَ بأذيالِ الرُّكامِ، يبحثونَ عن أثرٍ لوطنٍ كانَ، يبحثونَ عن بقايا وطنٍ، عن بقايا أحلامٍ دُفنتْ تحتَ الأنقاضِ.
أيديهمُ الصَّغيرةُ، التي كانتْ بالأمسِ تحملُ الألعابَ، أصبحتِ اليومَ تحملُ جثثَ أحبَّائهمْ. والنِّساءُ، اللَّواتي كنَّ بالأمسِ يَغزلنَ خيوطَ الأملِ، أصبحنَ اليومَ يَنسجنَ أكفانًا لأطفالٍ لم يرتكبوا ذنبًا سوى أنَّهم وُلِدوا في غزَّةَ.
الشَّوارعُ، التي كانتْ بالأمسِ تعجُّ بالحياةِ، أصبحتِ اليومَ مسرحًا لجريمةٍ إنسانيَّةٍ بشعةٍ. كلُّ حجرٍ هنا يشهدُ على قصَّةٍ مأساويَّةٍ، وكلُّ زاويةٍ هنا تنزفُ دمًا.
هنا، حيثُ كانتِ المدارسُ تعلِّمُ الأطفالَ أبجديَّاتِ الحياةِ، أصبحتِ اليومَ ملاجئَ للنَّازحينَ، ملاجئَ لا تقي من بردِ الشِّتاءِ ولا من قصفِ الطَّائراتِ.
غزَّةُ، المدينةُ التي تنزفُ، ترسلُ صرخةً مدوِّيةً إلى العالمِ، صرخةً تخترقُ جدرانَ الصَّمتِ، وتصلُ إلى قلوبِ الضَّمائرِ الحيَّةِ. هل من مجيبٍ؟ هل من منقذٍ؟ هل سيستمعُ العالمُ إلى صرخةِ غزَّةَ قبلَ أن تصبحَ صرخةً أخيرةً؟
غزَّةُ، ليستْ مجرَّدَ رقمٍ في نشراتِ الأخبارِ، وليستْ مجرَّدَ صورةٍ في صفحاتِ الجرائدِ. غزَّةُ هي قصَّةٌ إنسانيَّةٌ مؤلمةٌ، قصَّةٌ يجبُ أن تُروى، قصَّةٌ يجبُ أن تتوقَّفَ.
في كلِّ بيتٍ في غزَّةَ، هناكَ قصَّةُ حزنٍ، وفي كلِّ قلبٍ هناكَ جرحٌ نازفٌ. الأمَّهاتُ يَبكينَ أبناءهنَّ، والآباءُ يَدفنونَ فلذاتِ أكبادِهمْ. الأطفالُ يبحثونَ عن ألعابِهمُ الضَّائعةِ، وعن أحلامِهمُ التي تحطَّمتْ.
غزَّةُ، المدينةُ التي صمدتْ في وجهِ الظُّلمِ، تستغيثُ اليومَ، تستغيثُ بالضَّمائرِ الحيَّةِ، تستغيثُ بالإنسانيَّةِ. هل من مغيثٍ؟ هل من معينٍ؟ هل سيستمعُ العالمُ إلى صرخةِ غزَّةَ قبلَ أن تخفتَ إلى الأبدِ؟