بقلم : ريان إبراهيم نجم
تدقيق: فاطمة محمّد صالح الموسويّ
بينَما الجنوبُ يواجِهُ الإعتداءاتِ الإسرائيليةَ يوماً بعدَ يَوم، والجيشُ يُجبَرُ علَى الإخلاءِ مِن ثكناتِهِ العسكريةِ تحتَ وطأةِ التّهدِيدات، تُطِلُّ الدّولةُ بمشهدٍ جَديد: حفلُ زفافٍ فِي مغارةِ جعِيتا، واحدةٌ مِن أهمِّ المعالمِ السّياحيَّة. إذ أصبحَتِ المغارةُ الّتِي يُمنَعُ فيهَا التّصويرُ لٍلحفاظِ علَى جمالِ تكوينِهَا ساحةَ عرضٍ اجتِماعيّة، بحيثُ أُقيمَ فيهَا حفلٌ ضخمٌ بِحضورِ عددٍ هائل، بالإضافةِ إلى الإنارةِ القويّةِ الّتِي تُشكِّلُ خطراً كبيراً علَى البيئةِ الطّبيعِيّة. وهَذا يَكشِفُ بِوضوحٍ مَدى غيابِ الدّولةِ فِي حمايةِ أراضِيهَا. فكيفَ لِدولةٍ أن تَغيبَ تماماً عَن حمايةِ شعبِهَا وجيشِهَا وثرواتِهَا، فِي نفسِ الوقتِ الّذِي يَنخُرُ السّوسُ ضمنَ مؤسّساتِهَا، والفسادُ الدّاخليُّ يتفَشّى دونَ رقابَة؟
فِي بلدٍ مقلوبِ الأولَويّات، تتحوّلُ المأساةُ إلَى تفصِيل، والاستعراضُ إلَى سياسةٍ عامَّة. فمُنذُ أيّام، وقفَ حاجزُ الدّركِ شاهداً علَى الفشلِ الإداريِّ فِي مدينةِ الخِيام، المدينةُ الّتِي اعتادَ الإسرائيلِيونَ علَيهَا ذهاباً وإياباً كيفَما شَاؤوا. فهَل هَذا التّصرّفُ يُضيِّقُ علَى اللُّبنانيّين؟ أم يَحميهِم؟
وفِي حادثةٍ مُغايرةٍ اختصرَت كلَّ مَعاني الإنهيارِ المنطِقيّ، فأيُّ قانونٍ يُسجِّلُ محضرَ ضبطٍ بحقِّ سيارةِ إسعافٍ لِركنِها أمامَ المَبنى البلَديّ، سِوى فِي الجنوبِ اللُّبنانيّ، وتَحديداً فِي بلدةِ السّماعيَّة. أهكَذا يُكرَّمُ أصحابُ الخدمةِ التّطوعيَّة؟
هكَذا تُمارِسُ الدّولةُ سُلطتَهَا، علَى أبناءِ الوطنِ لا علَى المُعتدين.
وفِي الأسبوعِ المنصرِم، وُضِعَت ثكناتُ الجيشِ ضمنَ دائرةِ التّهديداتِ الإسرائيليّةِ في بلداتٍ مختلفةٍ وأُمروا بِالإخلاء. لكنَّ ثكنةَ الشّهيدِ “محمد فرحات” رفضَتِ الإنسِحاب، لتُذَكِّرَ الدّولةَ بأنَّ فِي الجيشِ مَن لا يُساوِمُ علَى الأرضِ ولا يَنتظِرُ التّعليماتِ مِن مكاتبٍ سياسِيّة. فلِمَ لا تُكرَّمُ هذهِ الصَّلابة؟
أمّا فِي العاصِمة، أضاءَ الشّعبُ المقاومُ صخرةَ الرّوشَة، فِي مبادرةٍ رمزيَّة، عبّرَت عَن وحدةِ الموقفِ الشعبيِّ وإصرارِ اللُّبنانيينَ علَى الحياةِ رغمَ العُدوان. لكنَّ بريقَ هَذا الضّوءِ أربكَ العديدَ مِن أصحابِ السّيادةِ إن وُجِدَت وأزعجَهُم أكثرَ منَ القصفِ عينِه، وكأنَّ إضاءةَ الصّخرةِ أخطرُ مِن اشتعالِ الجَنوب.
ومُنذُ بدأَ العُدوانُ الإسرائيليُّ علَى الجنوبِ حتّى يومِنَا هَذا، لا تزالُ بياناتُ الإدانةِ الرسميّةُ تتكرّرُ بالعِباراتِ عينِهَا: “نُدين”، “نستَنكر”، “نًدعو إلَى”، كأنَّ الرّؤساءَ يَقرؤونَ منَ الورقةِ ذاتِهَا، لا فِعل، لا خُطّة، لا موقفَ حَقيقيّ، وكأنَّ الجنوبَ ليسَ مِن لُبنان.
هَذا ليسَ فنَّ اللّامبالاةِ فحَسب، بَل سياسةُ الهروبِ والإنكَار، دولةٌ تخشَى مواجهةَ الواقِع، فتستنجِدُ بحدثٍ يُثيرُ الجدَل، لِتُخفيَ عجزَهَا المُزمِن.
إنّهَا دولةٌ فقدَت أخلاقَ المسؤوليّةِ معَ مَهبِّ الرِّيح. فإلَى أينَ يمكنُ أن تصِلَ دولةٌ تنشغِلُ بالمَظاهرِ وتُغمِضُ النّظرَ عنِ الإعتِداءات؟
