هل تساءلتَ يومًا، ما إنْ كانَ للكذبِ فوائد؟للكذب فوائدَ عدّة، أهمّها: لا شيء.
الكذبُ خصلةٌ سيّئة جدًا، من خلالِها يُقدِمُ الشّخصُ لعرضِ نفسِهِ بطريقةٍ مخالفةٍ لما هو عليه، أي يقدِّم نفسه على أنّهُ إنسانٌ آخر، أو يروي الأحداث بطريقةٍ لا تمتُّ إلى الحقيقةِ بِصِلة.
يكذِبُ الإنسانُ في بعضِ الأحيانِ للتّخلّصِ من مشكلةٍ ما تواجهه بسبب عدمِ قدرتهِ على الإعترافِ بحقيقةِ ما فعل، غيرَ مدركٍ أنّ عواقبه عادةً ما تكون وخيمةً. يمارسُ بعضُ الأشخاصِ الكذبَ بسهولةٍ شديدة وكأنّها روتينٌ يوميّ، ويقومون بتزييفِ الحقائقِ جزئيًّا أو كليًّا وباختلاقِ رواياتٍ لا أساسَ لها مِنَ الصّحة لهدفٍ ما. يمكن أن يكونَ الكذبُ سببهُ الإحراجِ من الإفصاحِ عن الحقيقة أو الخوف من التفوّهِ بها، وهذا لا يبرِّئ الكاذب ولا يبرّر فعلته.
الإنسانُ الّذي يستخدمُ الكذب كوسيلةٍ لتخليصِ نفسه من مأزقٍ ما بسببِ أخطاءٍ اقترفها من دونِ وعيٍ وإدراك، سيقعُ في مشاكِلَ أكبر وسيدخلُ في دوّامةِ مآزقَ لا حلَّ لها ولا نهاية. لم يكنِ الكذبُ يومًا وسيلةً لحلِّ المشاكلَ والتّخلّصِ منها، بل على عكسِ ذلك، فيمكن أن يُعتبر حلًّا مؤقّتًا للهروبِ من الحادثةِ في شلحظةِ حدوثِها، ولكن سيُكشفُ الكاذبِ في كلِّ الأحوال وسيتعرّضُ إلى مشاكلَ لم تكُن لتحدُثَ لو أنّه تفوّه بالحقيقةِ بدلًا من تزييفها.
عدا عن أنّ الكذبَ ليسَ حلًّا، وعن أنّه يؤدي إلى مشاكلَ أعظم وأكثرها تعقيدًا، الإنسانُ الذي يلجأ للكذبِ إنسانٌ ضعيف، لا يمتلكُ القدرةَ على الإعترافِ بما اقترف، أو أنّه ضعيفٌ لأنّه يلجأ للكذبِ ليكسبَ الحبَّ والتعاطفَ والقبولِ من الأشخاصِ من حوله، ممّا يجعله إنسانًا مثيرًا للشّفقة. يمكنُ للإنسان الّذي يلجأ لتزييفِ أحداثٍ ومواقفَ وأمور لم تحدُث يومًا، أن يُكشفَ سريعًا من خلال مبالغتهِ بالحديث، أو إيماءاتِ وجهه وجسده المتوتّرة الّتي توحي بالكذب، وإنْ كُشفت كذبته، سيرجع إلى نقطة الصّفرِ ولن يصلَ إلى أهدافهِ الّتي بدأَ كذبتهُ من أجلِها. لذا، الكذبُ ليسَ الوسيلة.
لا يمكنُ الإنكارَ أنَ كلّنا تعرّضنا لموقفٍ كان علينا الكذب فيه للتهرّبِ من مشكلةٍ أو لسببٍ آخر، لأنّ اقترافَ الأخطاءِ طبيعةٌ إنسانيّة، لكنَّ الكذبَ المبالغَ فيه هو ما يجعلُ من الإنسانِ إنسانًا كاذبًا ومُحتالاً، ويُفقِدُه ثقةَ مَن حوله، والكاذب يُعرف ويُكشف وإنْ لم يَكنْ مُدركاً.
يمكن أن يُبرّأَ الكاذبُ في حالِ كانت كذبته “كذبة بيضا” أي أنّه كذبَ ليصلحَ بينَ شخصين، أو أنَّ كذبته كانت لسبب جيّد كتجنّبِ إحزانِ أحدٍ ما، أو نفيّ النّميمة، فبعضُ الأحيان يكونُ الكذبُ مباحًا، ولا يمكن تسميته “كذبا”، إنّما التّحفّظ عن قولِ الحقيقةِ لسببٍ حَسَن.
الكذبُ ذنبٌ يقترفُه أغلبُ النّاس، سواءً بنيّة حسنة أو سيّئة، لكن على الإنسان أن يكونَ أقوى من أنْ يضعُفَ أمامَ أخطائهِ، وعليه الإعتراف بها، فالكاذب لا يُصدَّق، ولو قالَ صِدقًا، والمشكلة الّتي تأتي بسببِ الإعترافِ بالخطأ، خيرٌ من المشكلة الّتي سببها الأوّل “الكذب”.