بقلم ريم محمّد عيد رمضان.
تدقيق: فاطمة محمّد صالح الموسوي
مُنذُ فَجرِ التارِيخ، انجذبَ الإنسانُ إلى المُوسيقى، يستلهِمُ مِنها السَّكينةَ والقوَّة.لكِن، هل يمكنُ للألحانِ أن تكونَ أكثرَ من مجرَّدِ ترفِيه؟ هل تمتلكُ النَّغماتُ القُدرةَ على شِفاءِ الأرواحِ المكلومةِ وتجديدِ طاقةِ الحياةِ فينا؟ تتجاوزُ المُوسيقى كونَها مجرَّدَ اهتزازاتٍ صَوتيَّة، لِتُلامسَ أعماقَ كيانِنا،لِتَفتحَ تساؤلاتٍ حولَ علاقتِها الوَثيقةِ بالصِّحةِ النَّفسيَّةِ والجسديَّة. فهَل هو مجرَّدُ صُدفةٍ أن نجدَ العزاءَ في أُغنيةٍ حَزينة،أو نشعرَ بالنَّشاطِ على وَقعِ لحنٍ مُبْهِج، أم أنَّ هناكَ أسراراً عميقةً تختبئُ في تناغمِ الأصواتِ وإيقاعاتِها؟
إنَّ التَّأثيرَ العلاجيَّ للمُوسيقى ليسَ وليدَ العصرِ الحَديث، بَل هو ظاهرةٌ لُوحِظَتْ منذُ آلافِ السنينِ في مُختلفِ الثَّقافاتِ والحَضارات. تُستَخدمُ المُوسيقى في تخفيفِ التَّوتُّرِ والقَلق، وتحسينِ المزاج، وحتَّى المساعدةِ في إدارةِ الألَم. تعملُ النَّغماتُ والإيقاعاتُ على تحفيزِ مناطقَ معيَّنةٍ في الدِّماغ، ممَّا يُؤدِّي إلى إفرازِ موادَّ كيميائيَّةٍ مثلَ الإندورفينِ والدوبامِين، وهيَ هرموناتٌ طبيعيَّةٌ تُساهِمُ في الشُّعورِ بالسَّعادةِ والرَّاحة. يمكنُ للمُوسيقى الهادئةِ أن تُساعِدَ على الاسترخاءِ والنَّوم، بينَما يمكنُ للمُوسيقى الحيويَّةِ أن تزيدَ من مستوياتِ الطَّاقةِ والتَّركيز.
تتعدَّى المُوسيقى كونَها مجرَّدَ أداةٍ لتعديلِ المزاج، لِتُصبِحَ وسيلةً للتَّعبيرِ عنِ المشاعرِ المعقَّدةِ التي قَد يصعبُ التَّعبيرُ عَنها بالكلمَات. يمكنُ للموسيقى أن تكونَ رفيقاً في الوِحدة، بَلسَماً للجُروح، ومصدرَ إلهامٍ في الأوقاتِ الصَّعبة. إنَّها لُغةٌ عالميَّةٌ لا تحتاجُ إلى تَرجمة، تتجاوزُ الحواجزَ الثقافيَّةَ واللغويَّة، لِتَصلَ إلى قلوبِ البشرِ أينَما كانوا. في لحظاتِ الفَرح، تكونُ المُوسيقى احتِفالا، وفي لحظاتِ الحُزن، تكونُ رفيقةً صادقةً تتقاسمُ الألمَ وتَمنَحَ الأملَ في الشِّفاء.
إذا كانتِ المُوسيقى تمتلكُ كلَّ هذه القُدراتِ الشِّفائيَّةِ والدَّافعةِ للحَياة، وإذا كانت قادرةً على مَسِّ أعمقِ مشاعرِنا وتغييرِ حالاتِنا النَّفسيَّةِ والجسديَّة، فهل يمكنُنا يوماً أن ندمجَها بشكلٍ منهجيٍّ في برامجِ الرِّعايةِ الصحيَّةِ والعلاجِ النَّفسي، ليكونَ لها دورٌ فعَّالٌ في تحسينِ جودةِ حياةِ الأفرادِ على نطاقٍ أوسَع؟