بقلم: ريم محمد عيد رمضان
تدقيق: هادي محمود نصّار
هلِ الكمالُ غايةٌ يمكنُ بلوغُها، أمْ أنّهُ سرابٌ يَلهثُ وراءَهُ الكثيرون؟ في عالمٍ يَزدادُ تنافسيّةً يوماً بعدَ يوم، أصبحتْ فكرةُ السَّعيِ نحوَ الكَمالِ هوساً يُسيطرُ على عقولٍ كثيرَة، مدفوعةً برغبةٍ جامحةٍ في تحقيقِ الأفضلِ في كلِّ جانبٍ من جوانبِ الحياة. سواءٌ كانَ ذلكَ في العمل، أوِ العلاقاتِ الشّخصيَّة، أوْ حتّى المظهرِ الخارجيّ، يبدو أنَّ البشريّةَ في سباقٍ محمومٍ لا نهايةَ لهُ نحوَ معيارٍ يصعبُ تعريفُه، فهلْ هذا السَّعيُ يُمثِّلُ دافعاً للتَّطوّر، أمْ أنَّهُ قيدٌ يكبِّلُ أرواحَنا ويُرهِقُ عقولَنا؟
إنَّ السَّعيَ للكَمال، وإنْ بدا في ظاهرهِ طموحاً إيجابيّا، غالباً ما يتحوَّلُ إلى عبءٍ نفسيٍّ ثقيل. فالمُطارَدةُ المُستمرَّةُ للأخطاء، والتَّفكيرُ المفرِطُ في التَّفاصيل، والخوفُ الدّائمُ من عدمِ بُلوغِ المعاييرِ الموضوعةِ (سواءَ كانتْ واقعيّةً أو غيرَ واقعيّة)، كلُّها عواملُ تُؤدّي إلى الإرهاقِ والتَّوتّرِ والقلقِ المُزمِن. يجدُ الفردُ نفسَهُ في دوّامةٍ من عدمِ الرِّضا، حيثُ لا يكادُ ينتَهي من إنجازٍ حتّى يبدأَ في البحثِ عن نقصٍ جديدٍ فيه، ممّا يُفقدهُ متعةَ الإنجازِ نفسِهِ ويَجعلُهُ يعيشُ في حالةٍ دائمةٍ من عدمِ الاكتِمال.
ولعلَّ أخطر التّداعياتِ للرَّكضِ وراءَ الكَمال، هو فُقدانُ التَّوازنِ في الحياة. فبينما يصبُّ الشَّخصُ كلَّ طاقتِهِ وجهدِهِ في محاولةِ الوصولِ إلى المثاليّةِ في مجالٍ معيّن، قد يُهملُ جوانبَ أخرى مهمّة، مثلَ صحّتِهِ النّفسيّةِ والجسديّة، أو علاقاتِهِ الاجتماعيّة، أو حتّى الاستمتاعَ بلحظاتِ الحياةِ البسيطة. يصبِحُ الكَمالُ غايةً في حدِّ ذاتِها، تبرِّرُ التَّضحيةَ بكلِّ شيءٍ آخر، ويَنتهي المطافُ بالفردِ مُنهَكا، وحيدا، وغيرَ سعيد، على الرُّغمِ من كلِّ ما يَعتقِدُ أنّهُ حقَّقَه.
في ضوءِ ذلك، هل يمكنُنا أن نُعيدَ تعريفَ مفهومِ الكَمال، لا كغايةٍ ثابتةٍ نركضُ وراءَها، بل كرحلةٍ مستمرّةٍ من التَّطوّرِ والتَّحسينِ المُستمرّ، مع قبولٍ للنّقصِ البشريِّ الطَّبيعيِّ والاحتفاءِ بالتَّقدُّمِ بدلاً من التَّفتيشِ عن المثاليّةِ المُطلقة؟