مستقبل طلّابنا على المحكّ

مستقبل طلّابنا على المحكّ

مقال بقلم د.ملاك طفيلي

ويلات، حروب، اضطرابات نفسيّة، انحسار الأمان والاستقرار، وغياب مظاهر الطمأنينة، رافقهم انطلاق حاسم للامتحانات الرسميّة، مرحلة مفصليّة، تحدّد مصير أبنائنا الأكاديميّ والمهنيّ، وتتشكّل فيها ملامح مستقبلهم، وتُبنى فيها أسس الحياة المستقبليّة. هي خطوة دقيقة يواجه فيها الطلاب تحديّات جمّة، إذ يجد نفسه محاصرًا بين متطلّبات الحياة وقساوة الضغوط، تتطلّب منهم القدرة على التكييف والاستقلاليّة في اتخاذ القرارات. غير أنّ هذا العام انقلبت الموازين والمعادلات، وبات الطموح يتآكل، والأماني تدوّي على عتبات السفن، وأصبح المستقبل تائهًا خلف البحار حين فرضت الموادّ كافّة دون توافق مع ميول وقدرات الطالب، ما يطرح تساؤلات جوهريّة حول مدى فاعليّتها وعدالتها. أليس من حقّ الطالب أن يكون شريكًا في رسم ملامح مستقبله الدراسي؟ وكيف يواجه التحديّات التي تفرض عليه كمعيار موحّد للتقييم؟ وهل تراعي هذه الامتحانات واقع الطلّاب في مثل هذه البيئة؟

   لقد تحوّلت الامتحانات من وسيلة للتقويم البنّاء إلى مصدر ضغط ٍنفسيّ بالغ، تثقل كاهل الأهل، وتحمّل الطالب عبء المواد، وتحوّل فرصة التقدير العادل إلى تحد مرهق، قد يولّد الرعب والقلق والإحباط، ويهمّش التخطيط الفعّال. ويعدّ قرار وزارة التربية بحرمان الطالب من حقّ اختيار مواده الدراسيّة اجحافًا وانفصالًا عن واقع الحياة ومتطلّبات المجتمع، يعكس نظرة مركزيّة جيلًا منسوخًا لا متنوّعًا، تفرض منهجًا موحٌدًا لا يتماشى مع تطلّعاته، لا تأبه أنّه لم يكن آلة مبرمجة، بل إنسان طموح، قادر على تحديد مساره المستقبلي، ومسؤول يقرّر مصيره، وشريكًا فاعلًا في رسم ملامح المستقبل، وإشراكه في اتّخاذ القرارات يعزّز روح المسؤوليّة، ويمنحه دافعًا أقوى للتفوّق، ويرسّخ مبادئ الحريّة والاختيار الواعي، وتهميش دوره يؤدّي إلى الإحباط والفشل.

ولكن أيّ تعليمٍ تسلّطيّة، لا تؤمن بالشراكة في العمليّة التعلّميّة، في حين يتسابق العالم بالابتكار والإبداع، تعود لتفرض نمطًا واحدًا، وكأنّها تنشئ هذا الذي يبدأ بالإجبار وينتهي بالإحباط؟

ختامًا، نناشدكم بصفتكم المسؤولين عن مستقبل أبنائنا، أن تعيدوا النظر بقراركم الذي لا ينسجم مع المبادئ التربويّة الحديثة، والذي لا يراعي الواقع المعاش، لأنٌ إصراركم يؤدّي إلى مزيد من الضغط النفسي، وانخفاض دافعيّة التعلّم، وتعميق  الفجوة. كما نأمل منكم وضع مصلحة الطالب فوق كلّ اعتبار، وفتح الباب أمامهم للمشاركة في بناء مسارات الوطن، كي لا نحصد جيلًا فاقدًا للانتماء، ضائعًا بين القرارات غير المسؤولة. ويبقى الأهم، كيف تهدأ وزيرة التربية، وهي تعلم أنّ قرارها يظلم آلاف الطلاب ويقيّد حريّتهم؟