ممرُّ داوود: بينَ الحلمِ التّوسّعيِّ وإرادةِ المقا ومةِ لَدى الشّعوب

ممرُّ داوود: بينَ الحلمِ التّوسّعيِّ وإرادةِ المقا ومةِ لَدى الشّعوب

بقلم: علي رضوان سعيد
تدقيق: هادي محمود نصّار

في ظلِّ التّحولاتِ الاستراتيجيَّةِ والجيوسياسيّةِ الكُبرى والمتسارعةِ في منطقةِ الشّرقِ الأوسطِ منذُ السّابِع من أكتوبر 2023، وخاصّةً في سوريا، عادَ الحديثُ وبقوةٍ عمّا يُعرفُ “بممرِّ داوود”.فمَا هوَ ممرُّ داوود؟ وما مدى الخطرِ الكامنِ خلفَ هذا المَشروع؟

ممرُّ داوودَ هوَ مشروعٌ إسرائيليٌّ استراتيجيٌّ يُعتبرُ أحدَ أكثرِ المُخطّطاتِ التّوسّعيّةِ إثارةً للجدلِ في السّنواتِ الأخيرة، حيثُ يسعى إلى إنشاءِ ممرٍّ بريٍّ يمتدُّ مِن مرتفعات الجولان السورية المحتلة وصولاً إلى نهر الفُراتِ في العِراق، مروراً بالمحافظاتِ الجنوبيَّةِ السّورية. وتعودُ تسميةُ هذا المشروعِ إلى الملكِ داوودَ التّوراتيّ الّذي يُعتبرُ المؤسِّسَ لمملكةِ إسرائيلَ الموحّدةَ في الأدبيّاتِ الصّهـ.يونيّة.

بحسبِ الرّؤيةِ الإسرائيليّة، يمثّلُ ممرُّ داوودَ حجرَ الزّاويةِ للهيمنةِ الإقليميَّة، حيثُ يحقِّقُ مجموعةً منَ الأهدافِ الجيوسياسيّةِ والإقتصاديّةِ والأمنيّةِ للكيان. بدءاً من تطويقِ الدّولِ المُعاديةِ لإسرائيلَ في المنطقةِ وقطعِ الطّريقِ البريّ الّذي يربطُ طهرانَ ببيروت، إلى السّيطرةِ على الموارِدِ الاستراتيجيّةِ مِن مياهٍ وحقولِ نفطٍ وأراضٍ خصبَة، مروراً بالمنافِعِ الإقتصاديّةِ الهائلةِ على الكيانِ خاصّةً على صعيديّْ الطاقةِ وتسهيلِ التّبادلِ التّجاريِّ مع دولِ آسيا الوُسطى. وصولاً إلى تفكيكِ الدُّولِ العربيّةِ المُجاورةِ وتعزيزِ الأمنِ الإسرا_ئيليّ مع ما يُشكِّلهُ الممرُّ المزعومُ من مناطِق عازلةٍ في جنوبِ لُبنانَ وسوريا.

ولعلَّ الأشدَّ خطورةً من كلِّ ما سَبق، هو الإرتباطُ الوثيقُ لهذا المَشروعِ بالأساطيرِ التّأسيسيَّةِ و الرّؤيةِ التّوسّعيةِ للحركةِ الصُّهـ.يونيَّة. هُنا يُمكنُ القولُ باختصارٍ أنّ ممرَّ داوود هوَ التّعبيرُ العمليُّ عَن مفهومِ “إسرا_ئيلَ الكُبرى” الّذي دعا إليهِ ثيودور هرتزل مؤسِّسُ الصُّهـ.يونيَّة، والّذي يشملُ الأراضِي بينَ النّيلِ والفُرات.

في المُحصِّلة، ممرُّ داوود ليسَ مجرّدَ طريقٍ برِّيٍّ فحسْب، بلْ هوَ مشروعٌ وجوديٌّ لإسرائيلَ يسعى إلى تغييرٍ جذريٍّ في موازينِ القِوى الإقليميَّة. وبينما يراهُ الإسرائيليُّونَ تحقيقاً لحلمٍ تاريخيّ، لا يُمكنُ أن نعتبرهُ إلّا تهديداً مباشراً ووجوديّاً للدّولِ العربيَّةِ المُجاورة. ويبقى السّؤال: هلْ يستطيعُ هذا المَشروعُ تجاوزَ كونَهُ مجرّدَ خيالٍ جيوسياسيٍّ إلى حقيقةٍ على الأرض؟ الإجابةُ سيُحدِّدُها الصّراعُ المُحتدِمُ بينَ نوايَا التّوسُّع الإسرائيليَّةِ وإرادةِ المُقاومةِ لدى شعوبِ المِنطقَة.