ضغوطٌ لا تنتهي على المعلِّمَة
المعلِّمَةُ ليستْ روبوتًا.
مقال بقلم منى غالب جمعة
في ظِلِّ التغييراتِ المستمرَّةِ في قطاعِ التعليمِ، أصبحَ من الشائعِ أن تُطالَبَ المعلِّمَةُ بأدوارٍ تتجاوزُ مهمَّتَها الأساسيَّةَ، وهيَ التَّدريسُ.
لم يَعُدْ يُنظَرُ إلى المعلِّمَةِ كمربِّيَةٍ تنقُلُ المعرفةَ وتُساعِدُ الطُّلَّابَ على الفهمِ، بل باتَ يُطلَبُ منها أن تكونَ مُصوِّرَةً، ومحرِّرَةَ فيديو، ومُنسِّقَةَ محتوىً رقميٍّ، بل وحتَّى مسؤولةً عن توثيقِ كلِّ لحظةٍ داخلَ الصَّفِّ، وإلَّا واجهَتِ اللَّوْمَ ورُبَّما العقوباتِ.
لكنْ هل هذا عدلٌ؟
هل يجبُ على المعلِّمَةِ أن تتحوَّلَ إلى روبوتٍ قادرٍ على القيامِ بألفِ مهمَّةٍ في آنٍ واحدٍ؟
مهمَّةُ المعلِّمَةِ واضحةٌ:
أن تُدرِّسَ، أن تُوصِلَ المعلومةَ لطلَّابِها بالأسلوبِ الذي تراهُ مناسبًا، أن تَبتَكِرَ طُرُقًا لجذبِ انتباهِهم وتعزيزِ فَهمِهم.
لكنْ حينَ تُجبَرُ على حملِ الهاتفِ أو الكاميرا لتوثيقِ الدَّرسِ بدلًا من التَّركيزِ على شرحِه، فهنا نكونُ قد تجاوزْنا حدودَ المنطقِ والعدالةِ. إذا كانتِ المدارسُ ترى أنَّ التَّصويرَ داخلَ الصَّفِّ ضرورةٌ، فليُعيَّنْ شخصٌ مُختَصٌّ لهذهِ المهمَّةِ، بدلًا مِنْ تحميلِها فوقَ طاقَتِها واعتبارِ هذا الأمرِ جزءًا مِنْ عملِها.
والأخطرُ من ذلكَ، أنَّ بعضَ المدارسِ باتَتْ تُحاسِبُ المعلِّماتِ إذا لم يَلتَزِمْنَ بالتَّصويرِ! وكأنَّ التقاطَ الصُّوَرِ أهمُّ مِنْ جودةِ التَّعليمِ نفسِهِ. والأغرَبُ أنَّ هذا أصبحَ معيارًا للحُكمِ على أداءِ المعلِّمَةِ، وكأنَّ التَّعليمَ لم يَعُدْ يَعتمِدُ على الإبداعِ، بل على عددِ الفيديوهاتِ والصُّوَرِ المرفوعةِ على المنصَّاتِ الرَّقميَّةِ.
ليسَ كلُّ ما تُجمِعُ عليهِ المدارسُ صحيحًا، وليسَ كلُّ ما يُفرَضُ يجبُ أن يكونَ قاعدةً. احترامُ دورِ المعلِّمَةِ وإعطاؤُها مساحةً للعملِ بحريَّةٍ هو الأساسُ لضمانِ تعليمٍ ناجحٍ، أمَّا تحويلُها إلى “روبوتٍ مُتعدِّدِ المَهامِ”، فهذا ظُلمٌ لا يمكنُ القَبولُ بهِ.