ندوبُ الحربِ الخفيّة

ندوبُ الحربِ الخفيّة

بقلم : ريم محمد عيد رمضان
تدقيق : هادي محمود نصّار

لا تقتصرُ آثارُ الحروبِ والنّزاعاتِ المُسلّحةِ على الدّمارِ الماديِّ والخرابِ الّذي يطالُ المُدنَ والبُنى التّحتيّة، بلْ تمتدُّ إلى ما هوَ أعمقُ وأخطَر، النّفسُ البشريّة. وفي وسطِ هذا الدّمار، يقفُ الآباءُ في مواجهةِ تحدياتٍ تفوقُ طاقتَهُم، إذ يتحمّلونَ مسؤوليةَ حمايةِ أسرهِمْ وتوفيرِ احتياجاتِها وسطَ ظروفٍ قاسيةٍ تتلاشى فيها مقوّماتُ الحياةِ الأساسيّة.
كيفَ تؤثِّرُ ظروفُ الحربِ على الصحّةِ النّفسيّةِ للآباء؟ وما الّذي يحتاجونَهُ فعليّاً ليتمكّنوا مِنَ الإستمرارِ دونَ الوصولِ إلى الإنهِيار؟

خلالَ النّزاعات، يشهدُ الآباءُ مشاهِدَ عنفٍ وفقدانٍ تتركُ في ذاكِرتهمْ ندوباً يصعبُ التئامُها. يشعرونَ بعدمِ الأمانِ بشكلٍ مُستمر، ما ينعكسُ على حالتِهم النّفسيّةِ والجسديّة. فالتّوتّرُ المُزمنُ لا يؤثِّرُ فقطْ على قدرتِهمْ على التّفكيرِ واتخاذِ القرارات، بلْ يؤدّي أيضًا إلى اضطراباتٍ صحيّةٍ مثلَ ارتِفاعِ ضغطِ الدّمِ أو مشاكِلِ النّوم. ومع غيابِ الإستقرار، تضعفُ الرّوابطُ الأسريّةُ تحتَ وطأةِ الإنفعالاتِ المتقلّبة، ممّا يزيدُ مِن شعورِ الآباءِ بالعجزِ والإنفصالِ عَن محيطهِم.

لكنْ رغمَ المُعاناة، نادراً ما يعبّرُ الآباءُ عِن مشاعرهِم. كثيرونَ يرونَ في الإفصاحِ عن الألمِ ضعفاً يتعارضُ مع الصّورةِ النّمطيّةِ للرّجُلِ القويّ، ممّا يدفعُهمْ إلى كبتِ مشاعرهِمْ وتحمُّلِ الأعباءِ بصمت. هذهِ العزلةُ النّفسيّةُ قد تؤدّي إلى اضطراباتٍ أعمَق، وتجعلُ التكيُّفَ مع الأوضاعِ أكثرَ صعوبَة. ومِن هنا تظهرُ الحاجةُ الماسّةُ إلى كسرِ هذا الصّمتِ المُجتمعيّ وتوفيرِ بيئةٍ آمنةٍ يُسمحُ فيها بالتّعبيرِ والتّعافي.

وسطَ هذهِ التّحدّيات، يصبحُ دورُ المُجتمعِ والمؤسّساتِ بالغَ الأهميّةِ في تقديمِ الدّعمِ اللّازم. ففتحُ قنواتِ الحوارِ داخلَ الأسرة، وتوفيرُ مساحاتٍ للدّعمِ النّفسيِّ والمُجتمعيّ، يُساعدُ الآباءَ على استعادةِ جزءٍ مِن توازُنِهم. كما أنّ الإعترافَ بمشاعِر الألمِ والتّعاملِ مَعها بجديّةٍ هو الخُطوةُ الأولى نحوَ التّعافي. الآباءُ لا يحتاجونَ فقطْ إلى الطّعامِ والمأوى، بل أيضًا إلى التّفهُّمِ والإحتِواء.

ختاماً، يبقى الآباءُ صامدينَ رُغمَ قسوةِ الظُّروف، يحملونَ على أكتافهمْ عبءَ حمايةِ الأسرةِ في أكثرِ اللّحظاتِ ضَعفا. لكنَّ هذا الصّمودَ لا يعني الغيابَ عنْ الألم، بلْ غالباً ما يُخفي وراءهُ معاناةً صامتةً تستحقُّ أن تُرى وتُسمع. فهلْ نملكُ الشّجاعةَ لنرى معاناتَهُم ونمُدَّ لهُم يدَ العونِ في الوقتِ المُناسِب؟