جَمِيعُنا نَقُومُ بِإنتِقَادِ الآخَرِين عَلَى أفْعَالِهِم أو آرائِهِم وَ بِذاتِ الوَقتِ نُقَيِّمُ كُلَ شَيءٍ عَنهُمْ، وَإن قَامَ أحَدٌ بِذَمِنا فَيَكُونُ لَدَينَا رَدَّةُ فِعْلٍ إمَّا عَنِيفَةٌ وَ إمَّا جَيِّدة، وَ هَذا عَلَى حَسَبِ إكْتِشَافِنَا لِأنْفُسِنَا.
فَهَل حَاوَلْتَ يَومًا إكتِشَافَ نَفْسَكَ أوَلاً؟
فِي البِدَايةِ، مَا هُوَ إكتِشَافُ النَّفسِ؟ هُوَ طَبْعًا مَعرٍفَةُ مَا بِداخِلِك وَفَهمُ مَشاعِرِكَ وَالوُصُولِ إلى السَّلامِ الدَاخِلِي أيّ أَنْ تَكُونَ راضِيًا عَمَّا تَقُومُ بِهِ.
إنَّ إكتِشافَ النَّفسِ لَيسَ سَهْلاً، وَلٓكِنَ أوَّلُ طَريقٍ لِمَعرِفَتِه هُوَ أنْ تَكُونَ مُستَعِدًّا لِمُواجَهَةِ جَمِيعِ المَخاوِفِ الَّتِي أحَاطَكَ بِهَا المَاضِي،فَعَليَك أن تَبتَعِدَ عَنِ الخَجَلِ كَشَيءٍ أسَاسِي وَالخَوفِ أيضًا، فَهٓذانِ العَامِلانِ يُساهِمانِ فِي شُعورِكَ بِالضَّعفِ تِجاهَ الأمُور الَّتِي يُمكِن أنْ تُصَادِفَها فِي حَياتِكَ مَهمَا كَانَت عَادِيَّة، سَتَشْعُرُ بِأَنَّكَ لا تَستَطِيعُ الإجَابَةَ عَلَى أيّ سُؤالٍ غَيرِ مُتَوَقَعٍ مِنَ الآخَرِينَ أو حَتَّى أنْ تُواجِهَ أفعَالً حَدَثتْ مَعَكَ لِلتَو، فَهَذا مَا يُسَمَّى جَهْلاً فِي كَيفِيَة التَعَامُلِ مَعَ الوَاقِع لأنَّكَ دَائِمًا مَا تَلُومُ أو تَرمِي المَسؤولِيةَ عَلَى الآخَرِين.
حَاوِل جَاهِدًا عَدَمَ الإسْتِسلامِ واسْأَلْ نَفسَكَ لِمَا عَلَيَّ ذَلِك؟ وَمَاذا عَلَيَّ أنْ أفعَل؟
أحيَانًا سَتُواجِه صَرَاعًا أو إكتِئابْ بِسَبَبِ هَذا الإستِسلامِ لِأنَّ لَديَكَ خَوفٌ مِنَ الرَّدِ المُبَاشَرِ.
أحْيَانًا هُنَاكَ رَدُّ فِعلٍ لِمَا يَحصُلَ مَعَكَ، حَيثُ تُعتَمَدُ رَدَّةُ الفِعلِ هَذِه عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَخزُونٌ فِي العَقلِ البَاطِنِ مِنْ تَجَارُبٍ وَقَنَاعَاتٍ وَ مَخاوِفٍ وَمُعتَقَداتٍ وَغالِبًا مَا تَكُونَ هَذِهِ المَخَاوِفِ وَالمُعتَقَدَاتُ وَهمِيَةً وَخَاطِئَةً وَلَكِنَّها مُسَيطِرةٌ إلَى الحَدِ الَّذِي يُمْكِن أَنْ تَمنَعَ العَقلَ الوَاعِي مِنَ الرُّؤيَةِ الشَّامِلَةِ وَالصَحِيحَةِ لِمَا يَحْدُث.
فَإنَّ إعَادَةَ بَرمَجَةِ العَقلِ البَاطِنِ وَزِيَادَة الوَعِي، وَتَنمِيَةِ الإدْرَاكِ وَالتَخلُصِ مِنْ تِلكَ المُعتَقدَاتِ السَّلبِيةِ وَالمَخاوِفِ الوَهمِيَّةِ وَالقَنَاعَاتِ الخَاطِئَةِ الَّتِي نَشَأتْ مِنْذُ وَقتٍ مُبَكِّرٍ فِي العَقلِ البَاطِنِ، تُساهِمُ فِي تَعزِيزِكَ وَ تَحفِيزِكَ عَلَى مُواجَهَةِ كُلِّ شَيءٍ.
أمَّا التَخَلُصُ مِنَ العُقَدِ النَفسِيةِ فَهُوَ أيضًا أمرًا مُهِمًّا، فالرجوعُ إِلى حَياةِ الطُفُولةِ وَفَهْمِ الأُمورِ وَالمخاوفِ التِي حَدَثَت فِي المَاضِي وَمُحَاوَلَةِ حَلِّها وَالتَّعامُلِ مَعَها يُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ شَخْصِيَّتِكَ الجَدِيدَة وَمُسَاعَدَتِكَ لِمَعرِفَةِ ذَاتِكَ دُونَ أيَّ تَعصِيبٍ أو خَوفٍ أي عَلَيكَ نِسيَانُ وَعَدَمِ التَفكِيرِ فِي عُقَدِ المَاضِي مَثَلاً طَردُ رَدَّاتِ الفِعلِ وَالتَّأكُدُ مِنْ صِحَةِ القَناعَاتِ الذِّهنِيَةِ وَالمَخَاوِف، التَوازُنُ فِي التَفْكِيرِ، كُلَّ هَذِهِ الأُمُورِ تُساهِمُ فِي التَّخلُصِ مِنَ العُقَدِ النَّفسِيَةِ المُؤلِمةِ، لا سِيمَا التَّعامُلَ بِمَوضُوعِيةٍ مَعَ النَّفسِ وَإقَامَةُ حِوَار دَاخِلي مَعَها، يُمكِنُّكَ أنْ تَتَحدَّثَ مَع نَفْسِك وَ مُشَاوَرَتِهَا بِأَيّ شَيءٍ.
وَ أخيرًا ، لا تَنسَى أنْ تَكتَشِفَ المَواهِبَ وَالمَهَارَاتِ الَّتِي تَمتَلِكُها لِأنَّها تُعطِيكَ المُتْعَةَ وَالشَغَفِ، وَ تُسَاعِدُكَ عَلَى الهُدُوءِ وَالشُعُورِ بالسَّلامِ الدَّاخِلي. فَمَذا لَو لم نَستَطِع أن نُصْلِحَ مَخاوِفَ المَاضِي وَمُواجَهَةَ الصِّعابِ؟
