وجهٌ و ألفُ لونٍ : رحلَةُ الهَويّةِ فِي زمنِ الأقنِعَة.

وجهٌ و ألفُ لونٍ : رحلَةُ الهَويّةِ فِي زمنِ الأقنِعَة.

بقلم: ريان إبراهيم نجم
تدقيق: هادي محمود نصّار

لم يَعُد الوَجهُ مِرآةً صادِقةً لِما في داخِل الإنسان، بَل غَدا انعِكاساً مُتغيّراً تَفرِضُه سِياقات الحَياةِ المُختلِفة، وتَعقيداتها المُتزايدَة، وِفقاً لِلمكانِ و المَوقِف. و لم يَعُد يُنظر إلى تَعدّد الوُجوهِ كَنَوعٍ مِن الخِداع، بَل كأداةٍ ضَروريّةٍ لِلبقاءِ و التَكَيُّف، في زَمنٍ يُطلبُ مِن الفَردِ أَن يَكون كَما يُرادُ مِنه، لا كَما هُو. لكِن هَل يُعَدُّ هَذا التَعدُّدُ ضَرورةَ تَكيُّفٍ؟ أم أنَّهُ انسِلاخٌ تَدرِيجيٌّ عَن الذَّات؟

لم تَعد وُجوهُنا تَعكِسُ حَقيقَتنا بِقدرِ ما أصبَحت واجِهاتٍ نُعدِّلُها تِبعاً للمَواقِف و التَّوقُّعات: وَجهٌ للعَملِ و آخَرُ للعائِلة، وصورةٌ مُختلِفةٌ تَماماً عَلى وَسائلِ التَّواصُلِ الإجتِماعيّ. و بَينَ كُلِّ هَذهِ الأدوارِ قَد تَضيعُ هُويَّتُنا الأصليّةُ أَو تَتَلاشَى تَدرِيجيَّا. ومعَ ذلِك، هَذا التَعَدُّدُ لا يَعني أنَّنا نَعيشُ في زَيف، بَل إنَّهُ انعِكاسٌ لقُدرتِنا عَلى التَّكيُّفِ مَع مُختَلِفِ البِيئات. فَمتى يُصبِح هَذا التَّكيُّفُ خِداعاً؟

أمَّا التِّكنولوجِيا و خاصّةً وَسائلُ التَّواصُلِ الإجتِماعيّ، فَقَد لَعِبَت دَوراً مُهمّاً في تَرسِيخِ هذهِ الظّاهِرة، إذ تَدفَعُنا بشَكلٍ دائِمٍ لتَقديمِ الصُّورةِ المِثاليّةِ عَن أنفُسِنا. فَمنهُم مَن يَبتسِمُ رُغمَ آلامِه، و آخَرونَ يَتحدَّثونَ بلُغةٍ لا تُشبِهُهُم فَقط ليَحظَوا بالقُبول. مِن هُنا يَظهرُ مَدى عُمقِ الضَّغطِ الإجتِماعيّ، الّذي يُحدِّدُ مَعاييرَ النَّجاحِ و التَّفاعُل.

“وَجهٌ و ألفُ لَون” هُو عُنوانٌ لحِكايَةِ كُلِّ إنسانٍ في زَمنٍ تَتغيَّرُ فيهِ الوُجوهُ أسرَعَ مِمّا تُكتَبُ فيهِ الحَقائِق. و بينَ كُلِّ هَذا يَبقى الأهمُّ الحِفاظُ عَلى مَلامِحِنا الأصليَّة. فَما يَصنَعُ الفَرقَ لَيسَ عَدَدَ الوُجوهِ الَّتي نَظهَرُ بِها، إنَّما مَدى صِدقِها مَع ذاتٍ واحِدَة. فَهَل آنَ الأوانُ لنَكُفَّ عَن تَبدِيلِ الوُجوهِ و نَبدأَ بالبَحثِ عَمَّن نَكونُ حَقّاً؟