تَجَرَّعْتُ مِنْذُ صِغَري أَفكارً دُوِّنَتْ في عَقلِي وَ مَبادِئَ كُنتُ أحسَبُها مُقَدَّسَةً أو الأَجْدَرُ بِالقَولِْ أَوهامٌ صُنِعَتْ لِتُناسِبَ عُقولَنا
رَوَتْ لَنَا الحكاياتُ ، أَنَّ هُناكَ اثنانِ و عشرونَ دَوْلَةً عَرَبِيّةً وَ قَوِيَّةً وَ أِنَّنَا أِخْوَةٌ جَمَعتْنا كَلِمَةُ ألحَقِّ ، لَنَا شَقِيقَةٌ هِيَ الأَجْمَلُ وَ الأندَرُ ، كَانَتْ كالكَوكبِ ألدُرِّيِّ في الأَفَقِ ، لُؤلُؤَةٌ قَيِّمةٌ وَ كَنْزٌ نَفِيسٌ يَسْعَى الجميعُ للحُصولِ عَليْها .
سُجِنَتْ جَمِيلَتِي عامَ ١٩٤٨ ، وَ ثارَ أِخْوَتُها مُعلِنينْ إسْتِعادَتَها ، إنْتَشَرتْ الأَغَانِي الثّوريةُ الغاضبةُ فِي ذَلِكَ ألحِينْ و الَّذي لازَالَ يُسْمَعُ صَدَاها الصّامتُ إلَى أليَوم .
زُرِعَ في بَاطِنِ عُقولِنا أنَّ ٢٢ دَوْلَة عَرَبِيّةً جَمَعتّهُمْ تِلكَ القضِيّةُ ألَّتِي باتَ حَلُّها أشْبَهَ بِالمُسْتَحيلِ ،وَ أنّ حُروبَهُمْ كَانَتْ لأجلِ المَسجِدْ الأقْصَى وَ أَنَّ عَدُوَنا صاحِبُ ألسُلطَة العَظِيمَة وَ قُوَّةَ البَطشِ ألكَبِيرَة إِذا أَعْلَنَ ألحَربَ عَلَينا تَصْدَعَنا وَ إنْ إِذا غَضِبَ ثارَتْ بَراكينُ الأرضِ عَلَينا وَ سُوءَ عِقابٍ ، هَكَذا رَسَمُوا في أذهانِنا
تَوالتْ ألأيّامُ وَ السِّنِين ، أمْسَ العَدُوّ صَدِيق وَ الأَخَ عَدُو و جَمِيلَتي وَحِيدَةٌ بَعدَما رَمُوا بِها إخوتُها في غِياهِب الجُبْ
في ٧ إكتُوبِرْ مِنْ عَامِنا ألمَاضِي ، لَمَسَتْ أَطْرافُ جَمِيلَتي أطرافَ ألنُور وَ أبصَرَتْ عَينَاها أشِعَّةَ الحُرِّية كُسِرَتْ قُيودُها عَلى أَيدِي أَشْجَعِ فُرسانِ الأَرضِ ،وَ بِبُندُقِيَةِ بَطَلٍ صَرَّحُوا لَنَا أنَ ذَلِكَ العَدُو أَوْهَنُ مِنْ بَيتِ العَنّكَبوتْ
وَ بَعدَ ذلِكْ أليَومِ، إستَمَرَّتْ ألمَجازِرُ وَ جَمِيلتي تُوَدِّعُ أَطفالها وَ أصبَحَ أعدادُ المَفْقُودِينَ يَتَراكَمُ وَ بَينَ الحُطَامِ وَ الرُّكامِ وَ بَينَ المَآتِمِ وَ الأَحْزَانِ إنْكَشَفَتْ الأَكاذيبُ وَ أمسَ الكَونُ يَعرِفُ الفرقَ بَينَ العَدِو وَ الصَّدِيقِ ، بَينَ ألظالِم وَ المَظلُومِ ، بَينَ الخَيرِ وَ الشَّرّ وَ بَينَ مَنْ يُهدِيكَ كَفَناً وَ مَن يُشارِكُكَ إيَّاهْ ، وَ لازالتْ جَميلَتي تَتَألّم خَلفَ القُضْبانْ