لَمْ تَكُنْ سِنِيْنُ حَيَاتِنَا طَوِيلَةً كَما أَرَدْنَاهَا وَلَمْ يَنْصَاعِ الوَقَتُ لِأَمْرِنَا حِيْنَمَا أَصَابَنا الحَمَاسُ لِمَعْرِفَةِ المُسْتَقْبَلِ، لَطَالَما طَالَبْنَا أَنْ يَجْرِي الوَقْتُ بِسُرْعَتِهِ المَعْهُودَةِ.
أَمَا اليَوْم، نَتَمَنَى أَنْ يَتَمَهَلَ الوَقْتُ قَلِيْلًا … لَمْ تَكُنِ الحَيَاةُ قَاسِيَةً كَمَا رَأَتْهَا أَحْدَاقُ الطِّفْلِ الّذِي صَمَّمَ مُسْتَقْبَلًا أن يَطُوْلَ عَنَانَ السَّمَاءِ، نَتَمَنَى أَنْ يَتَمَهَّلَ الوَقْتُ قَلِيلًا… لِنَفْهَمَ مَا حَدَثَ وَلِنُدْرِكَ أَنَّنا اليَوْمَ أَصْبَحْنَا مَسْؤُولِينَ عَنْ أَنْفُسِنَا وَقَد إِعْتَرَتْنَا الوَاجِبَاتُ فَوْرَ خُرُوُجِنَا مَنْ كَوْكَبِ اللَّعِبِ وَالمَرَحِ.
نَتَمَنَى أَنْ يَتَمَهَلَ قَلِيْلًا لِنُدْرِكَ أَمَانِيَ الطِّفْلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْبُرَ بِسُرْعَةٍ، وَنَهْرُبُ إِلَى عَالَمِهِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى القَسْوَةِ قَطْ، عَلَّنَا نَطْمَئِنُ وَنَمْكُثُ دَقَائِقَ عِدَّةً فِي المَاضِي مَعِ الأَصْدَقَاءِ الَّذِينَ أَمْسُوا ذِكْرَى جَمِيْلَةً، كَمْ بَنَيْنَا مَعَهُم بُيُوْتًا مِنْ حِجَارَةِ الذِّكْرَياتِ، وَمِنْ فَرْطِ بَرَاءَةِ الطُّفُوْلَةِ ظَنَنَا أَنَّ الشَّرَ خُرَافَةٌ مَعْقُوْدٌ فِي القِصَصِ الخَيَالِيَةِ وَكَانَ شَخْصُهُ الذِّئْبُ، أَمَّا الْخِدَاعُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَمَائِلِ أَحَدٍ إِلَا الثَّعْلَبُ المَكَارُ … وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَمْكُثَ كَثِيرًا، لَقَدْ قُرِعَ جَرَسُ الحَاضِرِ، اسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ! لَقَدْ مَضَى مَا مَضَى!
اليَوْمُ عَلَيْنَا سِبَاقُ الوَقْتِ، لَا وَقْتَ لِلْتَمَهُلِ كَمَا أَرَدْنَا وَعَلَيْنَا مُوَاجَهَةُ الوَاقِعِ بِثِقَلِ الوَاجِبَاتِ، نَعَمْ، لَم يَخضَعِ الوَقْتُ كَمَا أَرَدْنَا لَكِنْ لَا تَجْعَل حَاضِرَكَ مَدِيْنَةَ أَمْواتٍ وَأَشْبَاحٍ كَانَتْ لَهُمْ ذِكْرَياتٌ وَأَحْلَامٌ ضَمَخَها التُّرَابُ وَانْتَهَتْ، يَجْبُ عَلَيْنَا تَصْمِيْمُ مَاضٍ آخَرٍ جَمِيْلٍ وَذِكْرَياتٍ أُخْرَى رَائِعَةٍ، لَا بُدَ مِنْ أَنْ نَتْرُكَ أَثَرًا طَيِبًا فِي كُلِّ مَحَطَةٍ مِنْ مَحَطَاتِ حَيَاتِنَا وَلَعَلَّ أَحَدَهَا سَتَكُوْنُ الأَخِيْرَةَ .
اليَوْمُ وَكَمَا يُسَمَى عَصْرُ السُّرْعَةِ كَمْ يَوْمٍ مَضَى دُوْنَ أَنْ نَتْرُكَ بَصَمَتَنَا فِيِهِ .. كَمْ شَهْرٍ .. كَمْ سَنَةٍ .. عَلَيْنَا الإِدْرَاكُ أَنَّنَا فِي أَكْثَرِ العُصُوْرِ سُرْعَةً بَعْدَما تَغَلَبَتِ التُّكْنُوْلُوجْيَا وَالْتَهَمَتْ يَوْمَنَا وَسَاعَاتِنَا وَوَقْتَنَا، وَعَلَيْنَا الإِدْرَاكُ أَيْضًا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْنَا آلَةً قَدْ حَرَمَتْنَا لِذَةَ الوَقْتِ.
عَزِيْزِي القَارِئ، اِقْتَبِسْ نُوْرَ أَيَامِكَ وَسِنِيْنِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلَّهَا الظَّلامُ وَتُمْسِي مَنْسًا مَنْسِيًّا، إِجْعَلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُغَامَرَةً، إِسْتَفَادَةً وذِكْرَى تُخَلِدُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ .. فِي كُلِّ شَهْرٍ .. فِي كُلِّ سَنَةٍ .. لِأَنَّ العُمْرَ بُرْهَةٌ.