يُصِيبُ شِغافَ القَلبِ سِهامٌ مِنَ السَّعَادَةِ فَتَحُطُّ عَلَى القَلبِ وَتُزهِرُهُ، وَالحُزْنُ يُصِيبُ القَلبَ فَيُطْفِئُهُ. وَبَيْنَ طِيَّاتِ صَفَحَاتِ الحَياةِ، تَتَسَجَّلُ بَعضُ اللَّحَظَاتِ أنَّهَا الأَصْعَبُ، حَيْثُ تُخَيِّمُ الكَآبَةُ عَلَيْنَا وَكَأَنَّ شَبَحَ المَوْتِ قَدْ زَارَنَا. لَعَلَّكَ تَذْكُرُ إحْدَى مَحَطَّاتِ حَياتِكَ، حِينَ تَسْتَشْعِرُ بِحَرَارَةِ الزَّفَرَاتِ وَكَأَنَّ الجَمْرَ عَالِقٌ فِي حَنْجُرَتِكَ، وَتَتَرَاوَدُ بَينَ أضْلُعِكَ أنَّ القَلْبَ قَدْ كَبُرَ حَجْمُهُ وَلَا يَسَعُهُ ذَاكَ المَكَانُ الضَّيِّقُ. وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَى صَدْرِكَ، تُرَى هَلْ جُرْحُ الرُّوحِ يُؤْلِمُ إلَى هَذَا الحَدِّ؟ لَعَلَّكَ فِي إحْدَى الأيَّامِ قَدْ غَلَبَكَ النُّعَاسُ مِنْ فَرْطِ الألَمِ فِي عَينَيْكَ، وَلَكِنْ بَعضُ اللَّحَظَاتِ تَسْتَيقِظُ عَلَى صِرَاخِ رُوحِكَ تَتَألَّمُ. تَهرُبُ مِنْ وَاقِعِ مَا حَدَثَ، وَلَكِنْ تَرَى نَفْسَكَ قَدْ هَرَبْتَ عَبَثًا، هَا أَنْتَ تَسْتَرجِعُ الجُرُوحَ وَتَتَألَّمُ مِنْ جَدِيدٍ.
يُرَاوِدُكَ سُؤَالٌ: ثُمَّ مَاذَا؟ فَيُجِيبُ حَبِيسُ الأَضْلُعِ:
ثُمَّ احْتَلَّ الظَّلَامُ اللَّحَظَاتِ وَدُفِنَتْ رُوحِي بَيْنَ رُكَامِ الأَيَّامِ. لَقَدْ تَحَوَّلَ الحَاضِرُ إِلَى مَدِينَةِ أَمْوَاتٍ. أَمَّا عَنِ المُسْتَقْبَلِ، أَيُّ مُسْتَقْبَلٍ؟ أَوْ هَلْ الوَقْتُ يَمُرُّ؟ لَا أَذْكُرُ مَتَى كَانَتْ آخِرُ مَرَّةٍ كَانَتْ عَقَارِبُ السَّاعَةِ تَمْشِي. أَيْنَ النُّورُ فِي آخِرِ المَطَافِ؟ وَمَنْ القَائِلُ إِنَّنِي سَأُبْصِرُهُ؟ وَهَلْ غَيْمُ الكَوْنِ قَدْ اجْتَمَعَ فِي سَمَائِي وَأبَى المُغَادَرَة؟ نَعَمْ، أَنَا الَّذِي زُهِقَتِ الحَيَاةُ مِنْ ثَنَايَايَ، وَقَدْ حَضَرْتُ مَرَاسِمَ أُمْنِيَتِي. لَا قُبُورًا تَتَّسِعُ فِي دَاخِلِي، لَا قُبُورًا تَسَعُنِي، فَقَدْ مِتُّ مَرَّاتٍ عَدِيدَة، لَقَدِ امْتَلَأْتُ! تَرَى أَيْنَ السَّنَاءُ وَرَغَدُ العَيْشِ؟ هَا هِيَ سَفِينَتِي قَدْ أَبَتْ الإِبْحَارَ وَحَطَّتِ الرِّحَالَ، وَانْحَرَفَ المَسَارُ. لَقَدْ سَئِمَتْ سَفِينَتِي الإِبْحَارَ.
وَبَعْدَ تِلْكَ المَحَطَّةِ، عَزِيزِي القَارِئُ، وَمَعْ قَسَمِكَ بِأَنَّ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ لَنْ تَمُرَّ، فَتَمُرُّ وَتُزْهِرُ آفاقَكَ مِنْ جَدِيدٍ. لَعَلَّكَ قَدْ سَئِمْتَ المُحَاوَلَةَ، وَلَكِنْ لِيَكُنْ لَكَ عِلْمٌ أَنَّ اليَأْسَ ثَوْبُ الهَزَائِمِ. تَجَرَّدْ مِنْ سَلْبِيَّةِ الأَفْكَارِ، فَكَمْ مَرْحَلَةٍ ظَنَنْتَ أَنَّكَ قَدْ عَلِقْتَ فِيهَا وَأَنَّهَا قَدْ تَرَكَتْ فِي صَمِيمِكَ نَدْبَةً. وَلَكِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَسْتَيقِظُ عَلَى كَلِمَةِ “الحَمْدُ لِلَّهِ”، لَقَدْ جَبَرَنِي اللَّهُ جَبْرًا إِنْسَانِيًّا مُرَّ مَا مَرَّ.
ادْفَعْ بِسَفِينَتِكَ نَحْوَ الإِبْحَارِ، وَعَانِدِ المَوْجَ وَالرِّيَاحَ. لَنْ يُغَيِّرَ الحُزْنُ مِنْ وَعْرَةِ الطَّرِيقِ، وَلَنْ يُوصِلَكَ اليَأْسُ إِلَى هَدَفِ التَّحْقِيقِ. لَا تُقَاتِلِ الحَاضِرَ وَتُضَمِّخَ المُسْتَقْبَلَ بِصُعُوبَةِ المَاضِي، وَإِنَّا فِي الحَيَاةِ نَزُورُ عَتَبَاتٍ كَثِيرَةً… كَعَتَبَةِ الفَرَحِ، عَتَبَةِ السَّعَادَةِ، وَأيْضًا عَتَبَةِ الأَلَمِ.