في لِقاءٍ معَ أحدِ الرِّجالِ، سُئِلَ: “هَلْ أَنْتَ سَعِيدٌ في حَياتِكَ؟” فَكانَ الجَوابُ غريبًا من قِبَلِ رَجُلٍ مِثْلَهُ.
هوَ رَجُلٌ في الثَّلاثِينَ من عُمرِهِ، مُطَلَّقٌ ولَدَيْهِ أَرْبَعَةُ أَوْلادٍ.
كانَ غَريبًا بَعْضَ الشَّيْءِ أنْ تَجِدَ في وَقْتِنَا الحالِيِّ شَخْصًا في مِثْلِ هذا العُمْرِ قدْ مَرَّ بِهذِهِ التَّجْرِبَةِ: زَواجٌ ثُمَّ أَوْلادٌ ثُمَّ طَلاقٌ ثُمَّ مَسْؤولِيَّاتٌ عِدَّةٌ!
أجابَ إجابَةً صَريحَةً تُعَبِّرُ حَقًّا عَمَّا يَشْعُرُ بِهِ، فَقالَ: “أنا سَعِيدٌ بِأَنَّنِي أَمْتَلِكُ عائِلَةً يَحْلُمُ بِهَا أَيُّ شَخْصٍ، وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ لَيْسَتْ كامِلَةً، لِأَنَّهُ بِبَساطَةٍ لَمْ تَكُنْ مَعَ الشَّخْصِ الصَّحيحِ. فَأنا لا أَعُودُ إِلَى مَنْزِلِي وأنا سَعِيدٌ، أَشْعُرُ بِأَنَّ عَلَيَّ الهُروبَ، رَغْمَ أَنَّنِي أَشْتَاقُ إِلَى أَوْلادِي كَثِيرًا، وَلَكِنَّنِي أَهْرُبُ لِأَنَّنِي أَشْعُرُ بِالتَّعَبِ مِنَ المَسْؤولِيَّةِ الكَبِيرَةِ الَّتِي أَنا فِيهَا، أَوْ رُبَّمَا أَهْرُبُ مِنَ الضَّجَّةِ أَوِ الزَّحْمَةِ لِأَنَّنِي بِحاجَةٍ لِلرَّاحَةِ، أَوْ رُبَّمَا لِأَنَّنِي أَكُونُ مَضْغُوطًا مَادِيًّا وَأَحْتَاجُ أَنْ أَعْمَلَ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ لِأَجْلِهِمْ.
في مُعْظَمِ الأوْقاتِ أَشْعُرُ بِأَنَّنِي لا زِلْتُ صَغِيرًا عَلَى هذِهِ المَسْؤولِيَّةِ وَأَقُولُ إِنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ تَحَمُّلُهَا، وَلَكِنَّنِي أَتَذَكَّرُ أَنَّهُمْ مُجَرَّدُ أَطْفالٍ. وَمَعَ ذَلِكَ، حِينَ يَكْبَرُونَ، سَيَتَحَمَّلُونَ المَسْؤولِيَّةَ. أُحَاوِلُ جَاهِدًا تَلْبِيَةَ جَمِيعِ احْتِياجاتِهِمْ، لَكِنَّنِي في المُقابِلِ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعْلَمَ مَا إِذَا كانَتْ تَرْبِيَتِي لَهُمْ صَحِيحَةً أَمْ لا، وَأَخَافُ أَنْ لا يُصْبِحُوا كَمَا أَتَمَنَّى. أُعَاقِبُهُمْ أَحْيانًا وَأَحْيانًا أُخْرَى أُحَمِّلُهُمْ مَسْؤولِيَّةَ أَخْطَائِهِمْ، وَلَكِنَّنِي أَقُولُ دَائِمًا لِرُبَّمَا يَنْسَوْنَ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَكْبَرُونَ.
هَلْ تُلَخِصُ هَذِهِ الكَلِماتُ مُعاناةَ رَجُل ٍ أَوْ عَلَى الأَغْلَبِ مُعاناةَ أبٍ يُحاوِلُ أَنْ يَكونَ صَلْبًا وَ حَنونًا في آنٍ واحِدٍ؟
رُبَّما مَنْ يَرَى هَذِهِ الحَياةَ مِنْ بَعيدٍ يَعْتَقِدُ أَنَّها عائِلَةٌ سَعيدَةٌ ، و لَكِنْ إنْ دَقَّقْنا في التَّفاصيلِ نَرَى العَكْسَ كَلَوْحَةٍ يَنْقُصُها لَوْنٌ لِتُضيء ..
ما هِيَ السَّعادَةُ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ النّاسِ ؟ هَلْ هِيَ الراحَةُ النَّفْسِيَّةُ أَمِ العَقْلِيَّةُ أَمِ الجَسَدِيَّةُ ؟ أَمْ هِيَ الحُبُّ الحَقيقيُّ مِنْ أَحَدِهِم ؟ أَوْ لَرُبَما تَقْليلُ المَسْؤوليةِ تِجاهَ أَيِّ شَخْصٍ ؟ و لَعَلَّ السَّعادَةَ تَكْمُنُ بِخَياراتٍ صَحيحةٍ تِجاهَ أُناسٍ في حَياتِنا أَوْ في الأَشْياءِ حَتى ؟ كُلُّ شَخْصٍ يَراها مِنْ مَنْظورِهِ ، وَ لَكِنَّ الشَّيْءَ الوَحيدَ الّذي نَتَفِقُ عَلَيْهِ جَميعُنا ، أنَّ أَجْمَلَ ما فيها هُوَ رَسْمُ اِبتِسامَةٍ رائِعَةٍ على وَجْهِ مَنْ نُحِبُّ !
بَيْنَ السَّعادَةِ و النَّدَمِ خَطٌّ فاصِلٌ ، رُبَّما تَكونُ سَعيدًا حينَها ، وَ بَعْدَها تَنْدَمُ ، وَ رُبَما تَنْدَمُ ثُمَّ تَكْتَشِفُ أَنَّكَ سَعيدٌ ..
النَّدمُ و السَّعادَةُ وَجْهانِ لِعُمْلَةٍ واحِدَةٍ و بِيَدِكَ أَنْ تَخْتارَ أَحَدَهُما ، فَإمّا أَنْ يَكونَ خَيارُكَ صَحيحًا فَتُصْبِحَ سَعيدًا ، أَوْ أَنْ يَكونَ خاطِئًا فَتُصْبِحُ نادِمًا بائِسًا لا تَجِدُ سَبيلًا لِلْفَرَحِ !
وَ في النِّهايةِ ، لِكُلِّ مُشْكِلةٍ في الحَياةِ حَلٌّ ، وَ لَكِنْ حاوِلْ جاهِدًا أَنْ تُمْعِنَ التَّفْكيرَ قَبْلَ أَنْ تُقْدِمَ عَلى أَيِّ شَيْءٍ يُحَدِّدُ مَصيرَكَ ، فَكُنْ فَرِحًا بِما فَعَلْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ تَشْعُرَ بالنَّدَمِ يَوْمًا ما . وَ يَبْقَى السُّؤالُ ماذا يَحْدُثُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْنَّدَمِ وُجودٌ؟ هَلْ كُنّا سَنَتَعَلَّمُ مِنْ أَخْطائِنا أَمْ لا ؟
