مقال: زينب سليمي
تدقيق: منى جمعة
اشراف: هادي نصار
هَلْ لِلْجَهْلِ ثَقَافَةٌ؟ رُبَّمَا لَيْسَتْ ثَقَافَةً كَمَا اعْتَقَدْتَ الآنَ، وَلَكِنَّهَا شَجَاعَةٌ مُطْلَقَةٌ، أَيْ إِقْدَامُ الجَاهِلِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ المُثَقَّفُ أَنَّهُ صَعْبٌ جِدًّا، وَأَنَّهُ لَا يُمَثِّلُ دِرَاسَتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ وَإِدْرَاكَهُ، فَلِذَلِكَ مَهْمَا حَاوَلَ لَنْ يَنْجَحَ فِي تَحْقِيقِ الهَدَفِ!
سَأَشْرَحُ لَكَ ذَلِكَ: يَقُولُ د. أَحْمَد خَالِد تَوْفِيق: “فِي رِحْلَةٍ رِيفِيَّةٍ رَأَيْتُ مَجْمُوعَةً مِنْ أَصْدِقَائِي يَلْعَبُونَ لُعْبَةً سَخِيفَةً، إِذْ عَلَّقُوا زُجَاجَةَ مِيَاهٍ غَازِيَّةٍ فَارِغَةً بِحَبْلٍ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ وَجَعَلُوهَا تَتَأَرْجَحُ كَبُنْدُولِ السَّاعَةِ، ثُمَّ رَاحُوا يُصَوِّبُونَ عَلَيْهَا بِالبُنْدُقِيَّةِ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ نِسْبِيًّا. دَنَوْتُ مِنْهُمْ وَقَرَّرْتُ أَنْ أُجَرِّبَ. مَا هَذِهِ؟ بُنْدُقِيَّةٌ؟ كَيْفَ تُطْلِقُونَ بِهَا؟ مَا المَطْلُوبُ بِالضَّبْطِ؟ إِصَابَةُ هَذِهِ الزُّجَاجَةِ؟ دَعُونِي أُجَرِّبْ، وَضَغَطْتُ الزِّنَادَ بِلَا تَفْكِيرٍ لِتَتَنَاثَرَ شَظَايَا الزُّجَاجَةِ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ، وَيَشْهَقَ أَصْدِقَائِي ذُهُولًا. عَرَفْتُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ مُنْذُ سَاعَةٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ حَاصِلُونَ عَلَى جَوَائِزَ فِي الرِّمَايَةِ وَلَكِنَّهُمْ فَشِلُوا! لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ هَذَا كُلَّهُ مُسْبَقًا لَفَشِلْتُ حَتْمًا”.
إِنَّهَا يَا سَادَةُ شَجَاعَةُ الجَهْلِ! لَوْلَاهَا لَمَا فَعَلْنَا أَيَّ شَيْءٍ، لِأَنَّنَا نَتَوَقَّعُ الفَشَلَ مِنَ البِدَايَةِ.
إِنَّ هَذَا لَمِثَالٌ صَغِيرٌ عَلَى هَذِهِ الشَّجَاعَةِ، فَأَحْيَانًا عَدَمُ إِدْرَاكِنَا لِلْأَشْيَاءِ قَدْ يُسْهِمُ فِي تَعْزِيزِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي النَّجَاحِ. إِذَا كُنْتَ كَاتِبًا وَتَعْلَمُ بِوُجُودِ عُمَلَاءِ الكِتَابَةِ مِثْلَ مَحْمُود دَرْوِيش وَنِزَار قَبَّانِي، سَتَشْعُرُ دَائِمًا أَنَّكَ لَا تَكْتُبُ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ، وَأَنَّكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَفْشَلُ، وَإِنْ كُنْتَ رَسَّامًا تَعْلَمُ بِأَمْثَالِ فَانْ غُوغ وَبِيكَاسُو وَكْلُود مُونِيَة، فَحَتْمًا سَتَشْعُرُ أَنَّ رَسْمَتَكَ لَا قِيمَةَ لَهَا!
وَأَخِيرًا ضَعْ مَخَاوِفَكَ جَانِبًا وَتَحَلَّ بِالشَّجَاعَةِ رَغْمَ إِدْرَاكِكَ وَمَعْرِفَتِكَ وَثَقَافَتِكَ الوَاعِيَةِ، فَذَلِكَ سَيَجْعَلُ اسْمَكَ لَامِعًا يَوْمًا مَا، وَتُحْرِزُ نَاجاحاً بَارِزًا. وَلَكِنْ مَاذَا يَحْصُلُ لَوْ أَنَّ شَجَاعَةَ الجَهْلِ قَادَتِ الإِنسَانَ إِلَى ارْتِكَابِ أَغْلَاطٍ كَبِيرَةٍ أَوْ حَتَّى إِلَى الفَشَلِ؟