التّفاؤل أمِ التّشاؤم؟!- مقال بقلم حوراء شكر

التّفاؤل أمِ التّشاؤم؟!- مقال بقلم حوراء شكر

لمّا كانتِ الحياة مزيجًا من أفراحٍ وأحزان، انقسمَ النّاسُ فيها إلى مُتفائلين ومُتشائمين. ولا شكّ في أنّ للتّفاؤلِ أسبابه وعوامله النّفسية، وكذلك التّشاؤم. فقد تتفاوتُ نظرةُ الناسِ إلى الوجودِ وِفقًا لما حملتهُ إليهم الحياة من مباهجَ أو مآسٍ. فقد صَدقَ بيرون حين قال: “المتفائل إنسان يرى ضوءًا غير موجود، والمتشائم أحمق يرى ضوءًا ولا يصدّقه.”
المتفائل إنسانٌ يرى ضوءًا في الحياة غير موجود، إنّه يحلم دائمًا بالضّوء، ويرى أمامه بصيص أملٍ وشعاعَ خير مهما اسوَدّت حوله الدّنيا وراكمت عليه مصائبها. هذا الإنسان يكون عادة ذا نفسيّةّ مرِحة وإرادة صلبة، يضحك للحياة ويواجهها بثقة المنتصر على صعابها، المتجاوز لآلامه فيها. ولا بدّ له من أن تردّ الحياة ضحكته بضحكة مماثلة ولو بعد حين.
أمّا المتشائم، أحمق يغمض عينيه عن ضوءٍ في الحياة لمع أمامه لينير دربه ويبدّد الظّلام الّذي يكتنف نفسَه. لقد غرق في السّواد ولم يصدّق أنّ في دروب الحياة محطّات مضيئة. هذا الإنسان يُتعِس حياته وحياة الآخرين، ويحكم على نفسهِ بالموت يأسًا وضعفاً، ويَعبُس في وجه المصير فيبادله المصير عبوسًا. وإذا رأى ضوءًا حقيقيًا من أضواء الحياة ظنّه رؤيا كاذبة وعكس عليه ظلام نفسه فأطفأه.
أخيرًا، إن الإنسان العاقل هو الّذي يدرك أن في الحياة محطّاتٍ مظلمة وأخرى مضيئة، فلا يغرق في التّشاؤم ويتوقّف عند أول محطة مظلمة، ولا يفرط في التفاؤل فيرى الأضواء فقط ثم يصاب بصدمة وخيبة.
وإذا حلّ الظلام، فللأوّل نقول مع إيليّا أبو ماضي:
إيّها ذا الشاكي وما بك داءٌ كن جميلًا ترى الوجود جميلا
وللثاني نقول مع المتنبي:
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.