نوستالجيا بيروت- مقال بقلم شذى حسن

نوستالجيا بيروت- مقال بقلم شذى حسن

عاصمةُ السّاحات تألّقتْ بِفنّانيها الّذينَ اتّخذوا من بيروت مُلتقىً للتّواصل خلال الأزمات ، الَّذين ارتقى بهم الشّعب اللّبنانيّ استجابةً للكوارث وللمضيّ قُدُماً نحو بيروت المندفعة وبيروت المعنى ليكون الفنّ هو الشّافي الأوحد لجراح بيروت ، فمن هنا تألّقت بيروت

بيروت المدينة الّتي طالما تغنّت بها القصائد ومنحت الأغاني من روحها ، هي المدينة الّتي ألهمت آلاف الفنّانين من مختلف المشارب الفنّية والأعمار لوصف عظمة صمودها ولمدح جمالها الرّمادّي سواء بأغنية ، قصيدة أو حتّى من خلال الفنّ التشكيليّ ، فمن هنا كانت بيروت تحيا وتتألّق بهذه الفنون ،فبين أغاني وقصائد السّتينات وإيقاع الأغاني المعاصرة، تبرز سيرة مدينة بيروت الذّاتية.
العمر: ألف أغنية وندبة
المعتقد: فن
الحلم: السّلام
المؤهّلات: أحيا من تحت الرّدم، أخيط جراحي بقصيدة، فنٍي جريٌح.
الجوائز: مئة عام من الصّبر والتّحمّل.

فبيروت الّتي أسرع الفنّانون في ترميمها حتّى بتنا نجدها في أغاني الرّاب المعاصرة الّتي تعبّر عن الإشكالية الّتي ترزح تحتها.
فقد اعتذر الشّاعر نزار قبّاني عن الأخطاء المقترفة في حقّ مدينة بيروت في ديوانه عام ١٩٧٨ ” إلى بيروت الأنثى مع حبّي ” ،”بيروت ستّ الدّنيا ” والتي غنّتها ماجدة الرّومي في الثّمانينات ، وكذلك الأمر بالنّسبة لكاظم السّاهر في أغنية ” بريد بيروت ” في عام 1992 تزامناً مع الحرب الأهليّة اللّبنانية والّتي تحمل كلمات الشّاعر نزار ولم يتمّ تعديلها .
ليتابع ويصف بيروت في الحرب الأهلية قائلاً : “ماذا نتكلّم عنك يا بيروت .. وفي عينيك خلاصةُ حزن البشريّة “لايوجُد قبلك شيٌء..بعدك شيء..مثلك شيٌء أنتِ خلاصات الأعمار ..”

حضرت بيروت في قصائد محمود درويش بعد حصارها من قبل العدوّ الإسرائيلي عام ١٩٨٢ ،”سقط القناع” والّتي تألقت بغنائها ماجدة الرومي.
ووصف الشّاعر بيروت في ديوان “حصار لمدائح البحر ” عام ١٩٨٤ ،وكتب عنها في قصائد عدّة خلال الحروب الأهليّة والطّائفيّة “بيروت جبهتنا الوحيدة” واصفاً إياها بالخيمة الأخيرة الّتي بإمكان اللّاجئين الفلسطينيّين اللّجوء إليها فكان قد كتب عن بيروت في حربها وحصارها،ويعود ليقول : نرجسةُ الرخام ..
فالقضيّة كيف تجعل من مدينتك أغنية،فتزامننا مع الحرب الأهلية ، دعت الدّماء الّتي نُسفَت ،جارة القمر لتغنّي عن بيروت ” من قلبي سلامٌ لبيروت ” كتابة جوزيف حرب ولحنّها خواكين رودريغو والّتي ما تزال تعاد وتلحّن خصّيصاً بعد انفجار المرفأ ، فأغاني جارة القمر فيروز عام ١٩٨٤ تبدو وكأنها كُتبت عام ٢٠٢٠ حيث أنها تزامنت مع واقع انفجار المرفأ “رجعت على بيتي ، ما لقيته بيتي ، دخان وزوايا لا وردة ولا سور ” .

فبالرّغم من كلّ ما مرّ على بيروت من حزن ودمار إلاّ أنها وبطريقة فنّيّة بقيت رمزاً لجيل يحلم ببيروت السّتينيّة ، فبأغنية أو بشِعر أو حتّى من خلال المعارض، برزت بيروت المعنى .وتحت عنوان”الفنّ الجريح” ابتكر ٣٥ فناناً من داخل وخارج لبنان ومن مختلف الأعمار فنوناً ولوحات تشكيليّة ، ونذكر من أسماء هؤلاء الفنانين: شفيق عبود وفريد عواد وصليبا الدّويهي وبول غيراغوسيان وحسن جوني وغيرهم الكثير .وبلغت أهمية هذا المعرض في تجسيد حزن بيروت بعد انفجار المرفأ بالتّعبير عن الدّمار بلوحات منقوصة التّكوين ، والّذي اعتُبِرَ أشبه برواية سرديّة للتّعبير عن ذاتيّة بيروت .

لعلّها قليلة هي الأعمال البيروتيّة الّتي توجَّت بها بيروت بمعزلٍ عن الدّمار الذي اكتسح خلوة جمالها ،ولكن تبقى بيروت الأنثى الّتي ثارت وشمخت وصمدت وسُجّل تاريخ نهضتها في كتب تعدّت التّاريخ لتتوّج اليوم في كتب الشّعراء والملحّنين الّذين وجدوا فيها روحاً لأغانيهم ومرقداً لحزن العالم أجمع ،لتبقى بيروت روح الفنّ ودرّة الأغاني .