الأخبارُ الزّائفةُ والمعلوماتُ المُضلّلة: صراعُ الحقيقةِ في وجهِ الأكاذيب

الأخبارُ الزّائفةُ والمعلوماتُ المُضلّلة: صراعُ الحقيقةِ في وجهِ الأكاذيب

بقلم: علي رضوان سعيد
تدقيق : هادي محمد نصّار

في عالمٍ أصبحَ فيهِ الوصولُ إلى المعلومةِ وتناقلِ الأخبارِ لحظيّا، تُعاني الحقيقةُ وتتخبّطُ بينَ ضجيجِ الأكاذيبِ والتّضليلِ وتزاحمها. لم تعُدِ الأخبارُ الزّائفةُ والمعلوماتُ المضلِّلةُ مجرّدَ انحرافاتٍ أو أخطاءً عابرة، بلْ أصبحتْ أداةً منظّمةً لتشويهِ الحقائقِ وتوجيهِ الرّأيِ العام. في ظلِّ هذا الواقِع، تواجهُ المجتمعاتُ تحدّياً وجوديّاً يتمثّلُ بالتّمييزِ بينَ الحقيقةِ والتّزييف. فما هو الضّررُ الّذي قدْ تخلِّفهُ الأخبارُ الزّائفة؟ و كيفَ السّبيلُ لمواجهتها؟

لا تنتشرُ الأخبارُ الزّائفةُ عبثا، خاصّةً في البُلدانِ الّتي تشهدُ كمّاً هائلاً منَ الأخبارِ المتدفّقة، ومنها لبنان. فهي مصمّمةٌ بعنايةٍ لتستغلَّ تحيُّزاتِ المُجتمعِ و تُلائمَها. ولأنّها تتّفقُ مع الآراءِ المُسبقةِ في معظمِ الأحيان، تُصبحُ مُقنعة، جذّابة، وسريعةَ الانتشار.

يشكّلُ لبنان، أرضاً خصبةً للشّائعاتِ والأخبارِ الكاذِبةِ خاصّةً مع الأزماتِ الأمنيّةِ والسّياسيّةِ والاقتصاديّةِ الّتي تعصفُ بهِ يوميّا. هُنا، لا يقتصرُ الأثرُ على الأفرادِ فحسب، بلْ يتعدّاهُ ليشمَل المجتمعَ ككُلّ وحتّى الدّولةَ وقراراتِها أحيانا. لقَد رافقَت الشّائعاتُ والأخبارُ الزّائفةُ الكثيرَ من الأحداثِ الكُبرى والمحطّاتِ المفصليّةِ الّتي عاشَها لُبنان. ولعلّ أخطَرها و أقبَحها هي الأخبارُ الزّائفةُ الّتي نُعاني منها يوميّاً في ظلِّ الحربِ والعدوانِ الإسرائيليّ المُستمرّ، والمقصودُ هوَ ما ينتشرُ هُنا وهناكَ حولَ تهديداتٍ أو إنذاراتٍ لا أساسَ لها منَ الصّحّةِ وتُثيرُ هلعاً وارتباكاً لدى المواطنينَ و مؤسّساتِ الدّولة على حدٍّ سواء. ولا يمكنُ أن نغفلَ عنِ الدّعايةِ الكاذبةِ الّتي ترافقُ كلَّ استحقاقٍ انتخابيّ وهدفُها توجيهُ وتأليبُ الرأيّ العامِ والتّأثيرُ على نتائِج الانتخاباتِ بما يتماشى معْ مصالحٍ داخليّةٍ ضيّقةٍ أو خارجيّةٍ غالبا.

في سبيلِ مكافحةِ هذا الخطر، على الجميعِ تحمّلُ مسؤوليّاتِه. ولعلَّ المسؤوليّةَ المضاعفةَ تقعُ على عاتقِ الإعلامِ الّذي يشكِّلُ خطَّ الدّفاعِ الأوّلَ في هذهِ المُواجهة. اذ لم يعُد دورُ الإعلامِ يقتصرُ على نقلِ الأخبارِ فحسب، بلْ باتَ مُطالَباً بأن يكونَ مرشداً وقادراً على ملاحقةِ مصادرِ المعلوماتِ وتدقيقِها ومتابعتِها لكشفِ الزّيف. ومن أجلِ تحقيقِ هذهِ الغاية، لابدّّ من تمكينِ الصحفيينَ وتزويدهمْ بما يلزمُ من أدواتٍ تساعِدُ على تحليلِ الأخبارِ واكتشافِ حملاتِ التّضليلِ المُمنهجةِ وإبطالِها أو مكافحَتِها على أقلِّ تَقدير. وتبقى الشّفافيّةُ والتزامُ المعاييرِ الأخلاقيّةِ لدى الصّحفيّينَ هي حجرُ الزّاويةِ الأساسُ في هذا السِّياق.

بالمُوازاة، يكمنُ التّحدي الآخرُ في وعيِ الجمهورِ بشكلٍ عام، ومدى قدرةِ الأفرادِ على مُلاحقةِ الأخبارِ والتحقُّقِ منها بأنفسهِم. وهُنا لا شكَّ بأنَّ التّوعيةَ الإعلاميةَ أصبحتْ ضرورةً مُلحّةً لِتمكينِ النّاسِ مِن قراءةِ الأحداثِ وتحليلِها بعيداً عن العاطِفة، ليميّزوا ما بينَ الحقيقةِ والزّيفِ أو بِمعنى آخر، بينَ الخبرِ والشّائعة.

ختاما، في ظلِّ الإنفجارِ المعلوماتيِّ الهائِل الّذي يَشهدُهُ العصرُ الرّقمي، وفي بلدٍ تتسارعُ فيهِ الأحداث، وتتدفّقُ الأخبار، وتتشابكُ المعلوماتُ بينَ الحقائقِ والأكاذيب، يبقى السّؤالُ الّذي يطرحُ نفسه، هل نحنُ كأفرادٍ مستعدّونَ فعلاً لمواجهةِ التّضليل أم سنَبقى آداةً لهُ دونَ أنْ نَشعر؟