حينما يصبحُ التّفكيرُ رفاهيّة

حينما يصبحُ التّفكيرُ رفاهيّة

بقلم: ريان إبراهيم نجم
تدقيق: هادي محمود نصّار

في خضمِّ الثّورةِ التّكنولوجيةِ المُتسارعةِ الّتي يشهدُها العالم، و في ظلِّ هيمنةِ الذّكاءِ الإصطناعيّ، أصبحَ مِن الضّروريِّ التّحدّثُ عن “تعفُّنِ الدّماغِ”، و ليسَ المقصودُ التّعفنَ الطّبيَ المتعارفَ عليه، بل تعفّناً فكريّا، ثقافيّاً و حضاريّا. إنّهُ ذلكَ الخمولُ العقليُّ التّدريجيّ، الصّامت، الّذي يتسلّلُ إلى الأذهان، أكانتْ فرديّة، أم جماعيّة ، المهملةُ للتّفكير ، المكتفيةُ بالاستهلاكِ و المستسلمةُ للسّطحية. فهل باتَ التّفكيرُ النّقديُ رفاهيّة ، أم ضرورةً للمواجَهة؟

يعرفُ تعفّنُ الدّماغِ بالرّكودِ الذّهنيّ ، الّذي يصيبُ الأفرادَ المتخلّينَ عن قدراتهِم العقليّةِ النّقديّة. إذْ يتحوّلُ الإنسانُ إلى كائنٍ مُبرمج ، يتلقّى المعلوماتِ و يتفاعلُ مع محيطهِ وفقاً لردودِ فعلٍ تلقائيّة، دونَ وعيٍ أو تفكير.

و المشكلةُ لا تكمنُ في قلّةِ المعلومات، بلْ في الوفرةِ المُضلِّلة. ففي زمنٍ تتدفّقُ فيهِ المعلوماتُ بسرعةِ البرق، تغيبُ القدرةُ عن التّمييزِ بينَ الحقيقةِ و التّضليل. فحينما يستقبلُ هذا الطّوفانُ المعرفةَ بِلا عقلٍ ناقد، يتحوّلُ من فرصةٍ للتّطوّرِ إلى أداةِ تعطيلٍ ناعمة.

التّكنولوجيَا ليست ببريئة، بلْ هيَ المسؤولةُ عن كلِّ هذا التّعفن، فعندَما نستخدمُ التّقنياتِ الحديثةَ كوسائلِ التّواصلِ الإجتماعيِّ و محرّكاتِ البحثِ بطريقةٍ غير واعية، يتحوّلُ العقلُ إلى مُستهلك. إذ إنّنا نُشارك، نَنسخ، نكرّرُ أكثرَ مِن أن نبحثَ و نحلِّلَ و نتأمّلَ ، حتّى أصبحتِ الخوارزميّاتُ تُظهرُ لنا ما نريدُ دونَ أن نفكّر، إذ تتمُّ مكافأتُنا بعددِ “اللّايكاتِ “ و المُشاهدات، و كلُّ هذا لمواكبةِ “الترند” .

في الختام، إن مواجهةَ هذا التّعفُّنِ لا تقومُ إلّا بنهضةٍ فكريّة، حقيقيَّة، من خلالِ تعزيزِ التّفكيرِ النّقديِّ في التّعليم، لا سيّما في القراءةِ و التّأمُّلِ و استخدامِ التّكنولوجيا كأداةٍ للبحثِ لا كبديلٍ عن التّفكير. فهلْ تحتلُّ هذهِ التّكنولوجيا عقلَ الإنسانِ بأكمله؟ أم أنَّ الإنسانَ سيدافعُ عن عقلِهِ قبلَ أنْ يصدَأ ؟