بقلم: زهراء عبّاس أبوزيد
تدقيق : فاطمة محمد صالح الموسوي
قدْ تكونُ “الوطنُ” واحدةً منْ أَقصرِ الكلماتِ في اللّغة، لكِنها منْ أَعمقِها أَثَراً في النّفس. هي كلمةٌ تحِملُ في حروفِها البسيطةِ معانيَ الإنتِماء، الأمان، والحَنين. ولكنْ في زمنٍ تتكاثرُ فيهِ الأزماتُ والاغترابُ الداخليُّ والخارجيّ، تتعرضُ هذهِ الكلمةُ للتّشويه، أَو تفقدُ شيئاً مِنْ بريقِها.
فهلْ بقيتْ كلمةُ “وطنٌ” تعني لنَا ما كانَتْ تعنيهِ يوما، أَمْ غيَّرَ الواقعُ قداستَها في الذّاكرةِ والوجدانِ؟
الوطنُ ليسَ مُجردَ أَرضٍ نعيشُ علَيها، بلْ هو ما يعيشُ فِينا. هو الذّاكرةُ الأُولى، والصّوتُ الذي يخرجُ مِنْ أَفواهِنا دونَ وعيٍ حينَ نشتَاق، والرائحةُ التي لا يُنسى عبيرَها. في علمِ النفس، يُعَدُّ الشعورُ بالإنتماءِ أَحدَ أَهمِّ الحاجاتِ الإنسانيّة، وهذا ما يمنحُهُ الوطن. هو المصدرُ الذي يُشكِّلُ لغتَنا، شخصيتَنا، وحتّى طريقةَ رؤيتِنا للعالَم.
لكنْ في كثيرٍ منَ الأَحيَان، يُخَيِّبُ الوطنُ الظنّ، لا لقصورٍ فِيه، بلْ لِما حلَّ به منْ فقر، ظلم، وفَساد. يُضطرُّ أَبناؤُهُ إلى مغادرتِه بحثاً عَن فرصَة، أَوْ يُضطرُّونَ للبقاءِ فيهِ وهُمْ يشعُرونَ بالغُربةِ داخلَه. ومعَ ذلك، يظلُّ شيءٌ ما يربطُهُم بِه، كأَنَّهم معلّقونَ بخيطٍ منْ ذاكرةٍ لا تُمحى، رغمَ كلِّ الأَلَم. وهُنا يَتجلّى المَعنى الحقيقيُّ للوَطن: هُوَ ليسَ كاملا، لكنَّهُ يبقى بيتَنا.
كلمةُ “وطنٌ” ليستْ فقطْ ذِكرى، ولا مجرّدَ جغرافِيا، بلْ هي مَوقف. موقفٌ منَ الذّات، منَ الأَرض، ومنَ المسؤوليةِ تجاهَ ما نُحبّ. وكلَّما جرّبْنا الإبتِعاد، أَدركْنَا أَكثرَ أَنَّ لا بديلَ لَه.
فهلْ يمكنُ أَن نبنِي أوطاناً تُشبهُ أَحلامَنا، بدلَ أَن نبحثَ عَنها في خيالٍ لا يَسكنُهُ الوَاقع؟