كتابة وتدقيق: هادي محمود نصّار
في قلبِ العالم، حيثُ تدورُ المؤتمراتُ وتُعقدُ التحالفاتُ، ثمّةَ بقعةٌ جغرافيّةٌ تُعاني بصمتٍ يكسرُ الضميرَ الإنسانيّ، وتئنُّ تحتَ وطأةِ الجوعِ قبلَ أن تنهارَ بفعلِ القصف. غزّة، الأرضُ الّتي صارَت عنواناً للفقد، لا تبحثُ اليومَ عن العدالةِ أو الحرّيّةِ فحسْب، بلْ عن كسرةِ خبزٍ تسدُّ بها رمقَ الأحياء، وعن قطرةِ ماءٍ لا تُخالطُها الدّماء.
فهلْ أصبحتِ المجاعةُ قدراً مكتوباً على شعبٍ مُحاصرٍ؟ أم أنَّ صمتَ العالمِ هو الجدارُ الّذي يحولُ بينَ غزّةَ وحقِّها في الحياةِ؟
في غزّة، لم تعدِ المجاعةُ خطراً يلوحُ في الأفُق، بل واقعاً ينهشُ يوميّاً أجسادَ الأطفالِ والشّيوخ، في خيامٍ تُحاصرُها النارُ من جهة، والنّسيانُ من كلِّ الجهات. الأسواقُ خاويةٌ، والحقولُ محرّمَة، ومخازنُ الإغاثةِ غدتْ مقابراً للأمل، بعدما أُغلقتِ المعابرُ وسدّتْ منافذَ الرّحمة. يُقالُ إنَّ الجوعَ لا يُرى، ولكنْ في غزّة، بات مرئيّاً على وجوهِ أطفالٍ تبحثُ في الأنقاضِ عن فتاتٍ من الحياة.
وما يُوجِعُ أكثر، أنَّ العالمَ يرَى ويسمَع، لكنّهُ لا يتحرّك، وكأنَّ جوعَ الفلسطينيّينَ شأنٌ داخليٌّ لا يستحقُّ التدخُّل. المجاعةُ في غزّةَ ليستْ حدثاً عابرا، بلْ هيَ جريمةُ موصوفةُ تُرتكبُ على مرأى العالَم، وسطَ تواطؤِ الدّول، وتوافُرِ الذّرائع. ليسَ في الأمرِ مجاز، فالأمعاءُ الخاويةُ تُعلنُ الحقيقَةَ: هنا في غزّة، تُقاومُ الأجسادُ الموتَ بالجوعِ بعدما عجزتْ عن مقاومتهِ بالقنابل.
غزّة، لا تموتُ فقطْ لأنّها تُقصف، بل لأنّها تُجَوَّعُ عمدا. وما الجوعُ إلا شكلٌ آخرٌ من أشكالِ الإبادة. في زمنٍ يُقاسُ فيهِ التقدّمُ بوفرةِ الطَّعام، تشهدُ غزّةَ على صراعِ الشّعوبِ من أجلِ البقاء، لا مِن أجلِ الرّفاه. فهلْ سيتحرّكُ الضّميرُ العالميُّ قبلَ أن تَكتُبَ المجاعةُ فصلَ النّهايةِ؟ أم أنّ الصّمتَ سيبقى شريكاً في الجريمةِ؟