بقلم: ريم محمد عيد رمضان
تدقيق: هادي محمود نصّار
يتساءَلُ البَعضُ عَمّا إذَا كانَتِ الإنسانِيّةُ مُجرَّدَ وَصفٍ للجِنسِ البَشريِّ، أَم أنَّها مَجمُوعةٌ مِنَ القِيمِ الَّتي تَمنَحُ حَياتَنا مَعنى. غالِباً ما نَستَخدِمُ هذهِ الكَلمةَ لوَصفِ الأفعالِ النَّبيلَةِ الَّتي تتَجاوَزُ المَصالحَ الشَّخصيَّة، لكِن مَعناهَا الحَقيقيُّ يتَجاوَزُ ذلِك بِكَثير. الإنسانيَّةُ لَيسَت مُجرَّد مَجمُوعةٍ مِن القَوانينِ الأخلاقيَّة، بَل هِي الوَعيُ المُشتَركُ الَّذي يَربِطُنا بِبَعضِنا البَعض، الشُّعورُ بأنَّنَا جُزءٌ مِن كُلٍّ كَبير ، وأنَّ سَعادةَ الفَردِ مُرتَبطةٌ بِسَعادةِ المُجتمَعِ كَكُلّ. إنَّها التَّعبيرُ عَنِ الرَّحمةِ والتَّعاطُف، وَالقُدرَةُ عَلى رُؤيةِ أنفُسِنا فِي الآخَر، بِغضِّ النَّظرِ عَنِ اختِلافاتِنا. لكِن، كَيف يُمكِنُنا أَن نُحوِّلَ هذَا المَفهُومَ النَّظَريَّ إِلى واقِعٍ مَلمُوسٍ فِي حَياتِنا اليَوميَّةِ؟
تَتجسَّدُ الإنسانيَّةُ فِي أبسَطِ أَفعالِنا اليَوميَّة، مِن مَدِّ يَدِ العَونِ لشَخصٍ غَريب، إِلى الاستِماعِ بِقَلبٍ مَفتوحٍ لصَديقٍ فِي مِحنتِه. هذِه الأفعالُ الصَّغيرةُ هِي الَّتي تَبني جُسورَ التَّواصُلِ بَينَ الأَفرادِ وتَخلُقُ مُجتمَعاً مُتماسِكاً. الإنسانِيّةُ هِي أَيضاً القُدرَةُ عَلى التَّسامُحِ والصَّفح، وفَهمُ أنَّ كُلَّ إنسانٍ يُخطِئ، وأنَّ قُوَّتنا الحَقيقيَّةَ تَكمُنُ فِي قُدرتِنا عَلى تَجاوُزِ الأخطَاءِ والمُضيِّ قُدُما. إنَّها لَيسَت صِفةً نُولَدُ بِها فَحسَب، بَل هِي قِيمةٌ يَجِبُ أَن نُغذِّيَها ونُنمِّيَها باستِمرارٍ مِن خِلالِ التَّعلُّمِ والتَّفاعُلِ مَعَ الآخَرين.
وفِي مُواجَهةِ التَّحدِّياتِ الكُبرى، تَبرُزُ الإنسانيَّة كقُوَّةٍ مُوحَّدة. فِي أوقاتِ الكَوارِثِ والأزمَات، تتَلاشَى الحُدودُ وتَختَفِي الفُروق، ليَحُلَّ مَحلَّها شُعورٌ جَماعيٌّ بالمَسؤوليّةِ المُشتَركة. نَرى كَيفَ يتَسارَعُ النَّاسُ لتَقديمِ المُساعَدة، بغَضِّ النَّظرِ عَن أصُولهِم أو مُعتَقداتِهم، لأنَّهُم يُدرِكونَ أَنَّ الألمَ إنسانيٌّ مُشتَرَك، وأنَّ التَّضامُنَ هُو السَّبيلُ الوَحيدُ للتَّغَلُّبِ عَلَيه. هذِهِ اللَّحظاتُ هِي الَّتي تذكِّرُنا بأنَّنا، رُغمَ كُلِّ شَيء، عائِلةٌ واحِدةٌ عَلى هذَا الكَوكَب، وأنَّ مَصيرَنا مُرتَبطٌ ببَعضِنا البَعض.
خِتاما، إنَّ الإنسانيَّة لَيسَت فِكرةً مُجرَّدةً أو مِثاليّةً بَعيدةَ المَنال، بَل هِي مبدَأٌ عَملِيٌّ يُمكِنُ تَطبيقُهُ فِي كُلِّ جانبٍ مِن جَوانبِ حَياتِنا. إنَّها الدَّافعُ الَّذي يَدفعُنا للبَحثِ عنِ العدالَةِ، والعَملِ مِن أجلِ عالَمٍ أفضَل، والوُقوفِ فِي وَجهِ الظُّلم. إنَّها الصَّوتُ الَّذي يُذكِّرنا بأنَّنا مَسؤولُونَ عَن بَعضِنا البَعض. إذا، كَيف يُمكِنُنا أن نَجعلَ الإنسانيَّةَ ليسَت مُجرَّدَ كلِمةٍ فِي قامُوسِنا، بَل طَريقةَ حَياةٍ حَقيقيَّةٍ نَعيشُها كُلَّ يَومٍ؟