نوباتُ الهلَع، قلقٌ يزورُ الشُّبّانَ والفَتيات، ثمَّ يرحَل

بقلم: زهراء عباس أبوزيد
تدقيق: هادي محمود نصّار

فِي عالَمٍ سَريعِ الإيقاعِ وضاغِط، يَمُرُّ الكَثيرُ مِنَ الشُّبانِ والفَتياتِ بِتَجارِبَ نَفسيّةٍ قاسِيَةٍ تَظهَرُ عَلى شَكلِ نَوباتِ هَلَعٍ مُفاجِئَة، حَيثُ يَشعُرُ الإِنسانُ بِخَفَقانٍ فِي القَلب، وَضِيقٍ فِي التَّنفُّس، وَتَوَتُّرٍ شَديدٍ قَد يُوهِمُهُ أَحياناً بِوُجودِ خَطَرٍ جَسيم. وَهُنا يَتَساءَلُ البَعض: هَل هذِهِ النَّوباتُ مَرَضٌ عُضويٌّ يُهَدِّدُ الحَياة، أَم مُجرَّدُ انعِكاسٍ لِحالَةٍ نَفسيّةٍ يُمكِنُ تَجاوُزُها؟

إِنَّ نَوبَةَ الهَلَعِ هِيَ حالَةٌ مِنَ القَلَقِ الحَادّ، تَأتي بِشَكلٍ فُجائيٍّ وَتَبلُغُ ذُروَتُها خِلالَ دَقائق. وَرَغمَ الأَعراضِ الجَسديّةِ القَوِيَّةِ الّتي تُرافِقُها كَالدُّوخة، وَالرَّجفَةِ، وَالتَّنمِيل، أَوِ الشُّعورِ بِالاِختِناق، إِلّا أَنَّها لا تُشَكِّلُ خَطَراً حَقيقيّاً عَلى صِحَّةِ الإِنسان، بِقَدرِ ما هِيَ جَرسُ إِنذارٍ يُخبِرُنا بِأَنَّ النَّفسَ تَحتاجُ إِلى راحَةٍ وَطُمأنينَة. وَيُلاحَظُ أَنَّ هذِهِ الظّاهِرَةَ أَصبَحَت شائِعَةً بَينَ جيلِ الشَّبابِ وَالفَتياتِ فِي مُجتَمَعاتِنا، نَتيجَةَ الضُّغوطِ الدِّراسيَّة، وَالظُّروفِ الاقتِصاديَّة، وَالخَوفِ مِنَ المُستَقبَل.

التَّعامُلُ مَعَ نَوباتِ الهَلَعِ يَحتاجُ أَوَّلاً إِلى فَهمِها وَعَدمِ الخَوفِ المُفرِطِ مِنها، ثُمَّ التَّدَرُّبِ عَلى أَساليبِ التَّنفُّسِ العَميقِ وَالاسترخاء. كَما أَنَّ الدَّعمَ النَّفسيَّ مِنَ الأَهلِ وَالأَصدِقاء، إِلى جانِبِ استِشارَةِ المُختَصّينَ عِندَ الحاجَة، يُساعِدُ عَلى تَقلِيلِ تَكرارِها وَالتَّحكُّمِ بِها. والأَهمُّ مِن ذلِكَ أَن يُدرِكَ المُصابُ أَنَّ هذِهِ النَّوباتُ مُؤقَّتَة، وَأَنَّها لا تَملِكُ القُدرَةَ عَلى السَّيطَرَةِ عَلى حَياتِهِ ما دامَ يَمتَلِكُ العَزيمَةَ لِمُواجَهَتِها.

فِي النِّهايَة، قَد تَكونُ نَوباتُ الهَلَعِ تَحدِّياً صَعبا، لَكِنَّها لَيسَت نِهايَةَ الطَّريق. فَهِيَ دَعوَةٌ إِلى أَن نُصغيَ أَكثَرَ لِأَنفُسِنا، وَنَمنَحَها راحَةً وَاهتِماما.
فَهَل نُحوِّلُ هذِهِ التَّجرِبَةَ القاسِيَةَ إِلى فُرصَةٍ لاكتِشافِ قُوَّتِنا الدّاخِلِيَّة، وَبِناءِ تَوازُنٍ نَفسيٍّ أَقوَى؟