بقلم:ريان إبراهيم نجم
تدقيق: هادي محمود نصّار
فِي ظِلِّ التَّحَوُّلاتِ الاجتِماعيَّةِ والثَّقافيَّةِ المُتَسارِعَةِ الَّتِي تَشهَدُها مُجتَمَعاتُنا، يُواجِهُ العَدِيدُ مِنَ الأَفرادِ تَحَدِّياتٍ نَفسِيَّةٍ وَاجتِماعيَّةٍ حَقيقيَّة، تَتَمَثَّلُ فِي الضُّغوطاتِ المُستَمِرَّةِ النّاجِمَةِ عَن تَوَقُّعاتِ الآخَرين. فَهَل نَعيشُ حَياتَنا وِفقاً لِرَغَباتِنا؟ أَم أَنَّنا نُؤدِّي أدواراً كُتِبَت لَنا لإرضاءِ الآخَرينَ وَتَحقيقِ أَهدافِهِم؟
تُعَدُّ تَوَقُّعاتُ المُجتَمَعِ والعائِلَةِ وَالأَصدِقاءِ مِنَ العَوامِلِ الرَّئيسَةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ بِشَكلٍ مُباشِرٍ عَلى قَراراتِنا اليَوميَّة، لا سِيَّما فِي اختِيارِ الدِّراسَةِ أَو المِهنَةِ أَو حَتَّى نَمطِ الحَياة، وَهذا ما يُؤَدِّي إِلى تَناقُضٍ بَينَ ذاتِنا الحَقيقيَّةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي نُظهِرُها أَمامَ الآخَرين.
وَوِفقاً لِلدِّراسَاتِ الاِجتِماعيَّة، فَإِنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الضُّغوطاتِ لا يَقتَصِرُ عَلى فِئَةٍ عُمريَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَو طَبَقَةٍ اِجتِماعيَّة، بَل يَشمَلُ الجَميع، الأَمرُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلى الشُّعورِ بِالاِغتِرابِ الذَّاتِيّ، وازدِيادِ مَعدَّلاتِ القَلَقِ والتَّوَتُّرِ والاكتِئاب.
إِنَّ قَبولَ الأَفرادِ لِهذِهِ التَّوَقُّعاتِ يَرتَبِطُ بِرَغبَتَهم فِي الانتِماءِ والقَبولِ الاِجتِماعيّ. كَما وَتَلعَبُ التَّربِيَةُ الاجتِماعيَّةُ دَوراً مِحوَريّاً فِي تَرسِيخِ القِيَم، إِذ يُعلَّمُ الفَردُ مُنذُ الصِّغَرِ بِأَنَّ نَجاحَهُ مُرتَبِطٌ بِمَدى قُدرَتِهِ عَلى إِرضاءِ الآخَرين. بالإِضافَةِ إِلى ذَلِك، فإِنَّ وَسائِلَ التَّواصُلِ الاجتِماعيِّ تُساهِمُ فِي تَعزِيزِ مَعايِيرَ مُحَدَّدَةٍ للنَّجاحِ والتَّمَيُّز، وهذا ما يَزيدُ مِنَ الضَّغطِ عَلى الأَفرادِ لمُطابَقَةِ هذِهِ المَعايِيرِ الجَماليَّة.
العَيشُ تَحتَ هذا الضَّغطِ قَد يُؤَدِّي إِلى تآكُلِ الهُوِيَّةِ الشَّخصِيَّة، وتَراجُعِ الثِّقَةِ بِالنَّفس، وصُعوبَةِ بِنَاءِ عَلاقاتٍ إِنسانيَّةٍ حَقيقيَّة، بالإِضافَةِ إِلى تَفاقُمِ المُشكِلاتِ الاجتِماعيَّةِ والنَّفسِيَّةِ وأَبرَزُها العُزلَة.
مُواجَهَةُ هذِهِ السُّطوَةِ لَيسَت مَهَمَّةً سَهلَة، لَكِنَّها ضَرورِيَّةٌ لتَحقيقِ حَياةٍ مُتَوازِنَة. لذَا يَجِبُ عَلى الأَفرادِ والمُجتَمَعاتِ تَعزِيزُ ثَقافَةِ الوَعيِ الذَّاتِيِّ والاحتِرامِ المُتَبادَلِ لِلخصوصِيّات. وهذا ما يَتَطَلَّبُ حِواراً بَينَ الأَجيالِ وتَبَنِّي قِيَمٍ تُوازِنُ بَينَ رَغَباتِ الفَردِ ومُتطَلَّباتِ المُجتَمَع، مَعَ ضَرورَةِ التَّأكيدِ عَلى أَنَّ النَّجاحَ الحَقيقيَّ يَنبعُ مِنَ الرِّضا الشَّخصِيّ.
وفِي عالَمِنا الَّذِي يَعُجُّ بِالأَقنعَةِ، هَل نَعيشُ لِأَنفُسِنا؟ بَل: مَتى نَبدَأُ بمنحِ أَنفُسِنا الحَقَّ فِي أَن نَكونَ كَما نَحن، لا كَما يُرادُ لَنا؟